الكتاب » ونحوه ، فإنه لم يتعلق أمر بالفاتحة والطهور حتى يشترط فيه القدرة عليهما ، بل إنما أفيد قيدية الطهور والفاتحة بلسان الوضع لا التكليف ، فان معنى قوله : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » هو أنه لا تصح الصلاة إلا بالفاتحة ، ولازم ذلك سقوط الامر بالصلاة عند تعذر الفاتحة ، لعدم تمكن المكلف من إيجاد الصلاة الصحيحة عند عدم تمكنه من الفاتحة أو الطهور ، هذا غاية ما يمكن أن يوجه به كلام الوحيد رحمهالله من التفصيل بين القيود.
ولا يخفى ما فيه ، فان القدرة إنما تعتبر في متعلقات التكاليف النفسية لكونها طلبا مولويا وبعثا فعليا نحو المتعلق ، والعقل يستقل بقبح تكليف العاجز ، بل لو فرض عدم استقلال العقل بذلك وقلنا بمقالة الأشاعرة : من جواز التكليف بما لا يطاق ، كان نفس الخطاب يقتضي القدرة على متعلقه في التكاليف النفسية ، لان التكليف النفسي يكون تحريكا وبعثا لإرادة المكلف نحو أحد طرفي المقدور : من الفعل أو الترك ، فكل خاطب يتضمن البعث والتحريك يتضمن القدرة لا محالة.
وهذا بخلاف الخطابات الغيرية المتعلقة بالاجزاء والشرائط (١) فإنه يمكن أن يقال : إن مفادها ليس إلا الارشاد وبيان دخل متعلق الخطاب الغيري في متعلق الخطاب النفسي ـ كما هو الشأن في الخطابات الغيرية في باب الوضع والأسباب والمسببات ـ حيث إن مفادها ليس إلا الارشاد إلى دخل المتعلق في حصول المسبب ، ففي الحقيقة الخطابات الغيرية في باب التكاليف وفي باب الوضع تكون بمنزلة الاخبار ، من دون أن يكون فيها بعث وتحريك للإرادة حتى تقتضي القدرة على المتعلق.
__________________
١ ـ أقول : في اشتراط القدرة بحكم العقل لا يفرق بين الامر الغيري والنفسي. نعم : في الأوامر الارشادية لا يشترط القدرة ، وإرجاع أحدهما إلى الآخر غير وجيه ، بل لابد لهذا المجيب أن ينكر الغيرية ويثبت الارشادية ، لا أن يخلط أحدهما بالآخر.