شائبة النفسية والاستقلالية ، بل الغرض من إيجاب التعلم مجرد الوصول إلى الاحكام والعمل على طبقها ، ومن إيجاب الاحتياط التحرز عن مخالفة الواقع ، من دون أن يكون للتعلم والاحتياط جهة موجبة لحسنهما الذاتي المستتبع للخطاب المولوي النفسي ، بل الخطاب المتعلق بهما يكون لمحض الطريقية ، ووجوبهما يكون للغير لا نفسيا ولا بالغير (١).
فان قلت : الوجوب للغير لا ينافي الوجوب النفسي ، فان غالب الواجبات النفسية يكون وجوبها للغير بناء على تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد.
قلت : الغير الذي يجب الشيء لأجله يختلف ، فتارة : يكون هو ملاكات الاحكام التي اقتضت وجوب الشيء ، وأخرى : يكون هو الخطابات الواقعية. ففي الأول : لا يدور وجوب الشيء مدار وجود الملاك ، بل الملاك يكون حكمة لتشريع وجوب الشيء ، كاختلاط المياه في وجوب العدة على النساء.
وفي الثاني : يدور وجوب الشيء مدار وجود الخطاب الواقعي ويكون علة للحكم لا حكمة للتشريع ، كوجوب ذي المقدمة بالنسبة إلى وجوب المقدمة ، فان وجوبها يدور مدار وجوب ذيها.
والخطابات الواقعية بالنسبة إلى وجوب التعلم والاحتياط تكون كوجوب
__________________
١ ـ أقول : إذا لم يكن العلم المزبور إلا دخيلا في تحصيل الجزم بالامتثال لا نفسه ، فلا يكون إلا واجبا عقليا محضا ، وذلك أيضا كان تخييريا بينه وبين الاحتياط ، كما في التوصليات بمختاره ، ومرجعه إلى حكم العقل بالبرائة اليقينية عند الاشتغال بحكم ، وهو لا يحصل إلا بالاحتياط أو الفحص ، بل ولئن دققت النظر ترى حكم العقل بتحصيل الجزم المزبور أيضا إرشاديا إلى الفرار عن العقوبة المحتملة مهما أمكن ، لا نفسيا ولا طريقيا. نعم : بالنسبة إلى العمل بأدلة الاحكام أو أصولها النافية شرطي من جهة عدم حجيتها قبل الفحص ، فالفحص شرط لحجية الأدلة ، كما لا يخفى. ومن هنا ظهر أن العقاب أيضا لا يترتب إلا على نفس الواقع بلا دخل للعلم فيه ، ولعمري! ان ما اختاره أردء المذاهب. نعم : في مورد كان للعلم دخل في القدرة ـ كما أشرنا إليه سابقا ـ كان حال التعلم حال المقدمات المفوتة ، كما أشرنا ، فتدبر.