لها وجود علمي. وهذا بخلاف الاحكام الظاهرية ، فإنها بوجوداتها الواقعية لا أثر لها ولا يترتب عليها الآثار المرغوبة منها ـ من كونها منجزة للواقع عند الإصابة والمعذورية عند المخالفة ـ إلا بعد الالتفات إليها والعلم بها حكما وموضوعا ، لوضوح أن مجرد جعل حجية الخبر الثقة أو الاستصحاب لا يقتضي التنجيز والمعذورية إلا بعد العلم بقيام الخبر أو الاستصحاب على وجوب الشيء ومقدار دلالته وما يستفاد منه.
وبالجملة : لا إشكال في أن نتيجة جعل الطرق والامارات والأصول العملية لا يمكن أن تتحقق إلا بعد العلم بالحكم والموضوع ، لا معنى للمؤاخذة على ترك العمل بخبر لم يعلم به. وكذا الاستصحاب ، فيتوقف جريان الاستصحاب على الالتفات إليه حكما وموضوعا ، وذلك يتوقف على فعلية الشك الذي اخذ موضوعا فيه ، فلا ينبغي التأمل في اعتبار فعلية الشك في الاستصحاب. ويترتب على ذلك فروع مهمة :
منها : ما إذا تيقن المكلف بالحدث ثم غفل عن حاله وصلى غافلا وبعد الفراغ من الصلاة شك في تطهره قبل الصلاة (١) فبناء على اعتبار فعلية الشك في جريان الاستصحاب ينبغي القول بصحة الصلاة وعدم وجوب إعادتها ، لأنه يكون من الشك بعد الفراغ ، فتجري في الصلاة « قاعدة الفراغ » ولا أثر لاستصحاب بقاء الحدث الجاري بعد الصلاة عند الالتفات إلى حاله ، لان قاعدة الفراغ حاكمة عليه. نعم : استصحاب بقاء الحدث إنما ينفع بالنسبة
__________________
١ ـ أقول : لا إشكال في أن الطرق المنجزة للواقع والمعذرة لها أو أصولها تكون منجزة ومعذرة ما دام موجودا لا بعد انعدامها ، وحينئذ ففي الزمان السابق لو فرض استصحاب الحدث فلا يقتضي ذلك إلا بطلان الصلاة سابقا. وأما في الحال : فلا مرجع فعلا إلا قاعدة التجاوز أو الفراغ الحاكم بالصحة ، فمن هذا الحين لا معنى للحكم ببطلان الصلاة السابقة ، وإنما يحكم به سابقا ، ولا أثر له عملي فعلا ، فما أفيد من الأساس لا نتيجة له عملا في المقام ، كما لا يخفى.