الخلاف في حجية الاستصحاب في كل واحد من هذه الأقسام. والأقوى : حجية الاستصحاب في جميع الأقسام اللاحقة له باعتبار المستصحب والدليل الدال على ثبوته. وأما أقسامه اللاحقة له باعتبار منشأ الشك : فسيأتي الكلام فيه.
ويظهر من الشيخ قدسسره عدم جريان الاستصحاب فيما إذا كان الدليل الدال على ثبوت المستصحب هو العقل ، وحاصل ما أفاده في وجه ذلك هو : أن الاحكام العقلية لا يكاد يتطرق الاهمال والاجمال فيها ، فان العقل لا يستقل بقبح شيء أو حسنه إلا بعد الالتفات إلى الموضوع بجميع ما يعتبر فيه من القيود والخصوصيات ، فكل قيد اعتبره العقل في حكمه فلابد وأن يكون له دخل في الموضوع ، ومعه لا يمكن الشك في بقاء الحكم العقلي وما يستتبعه من الحكم الشرعي ـ بقاعدة الملازمة ـ مع بقاء الموضوع واتحاد القضية المشكوكة للقضية المتيقنة الذي لابد منه في الاستصحاب ـ كما سيأتي بيانه ـ فإنه لا يمكن الشك في بقاء الشيء إلا بعد انتفاء بعض الخصوصيات والعوارض المكتنفة به ، بداهة أنه مع بقاء الموضوع على ما هو عليه يقطع ببقاء الحكم ولا يتطرق إليه الشك ، فالشك في بقاء الحكم العقلي لا يكون إلا بعد انتفاء بعض خصوصيات الموضوع ، ومعه يقطع بارتفاع الحكم ، لأن المفروض أن للخصوصية الزائلة دخلا في موضوع حكم العقل.
وبتقريب آخر : العقل لا يستقل بحسن الشيء أو قبحه إلا بعد الإحاطة بجميع ما له دخل في الحسن والقبح ، فلابد وأن يكون لكل خصوصية أخذها العقل في موضوع حكمه مما لها دخل في مناط حكمه ، فعند انتقاء بعض الخصوصيات لا يجري استصحاب بقاء الحكم العقلي ، للعلم بارتفاع المناط. فالحكم العقلي إما أن يكون مقطوع البقاء وإما أن يكون مقطوع الارتفاع ، ولا يتطرق فيه الشك لكي يجري فيه الاستصحاب.