ـ الامر السادس ـ
قد عرفت في الامر السابق : أن الشك في بقاء المستصحب تارة : يكون لأجل الشك في المقتضي ، وأخرى : يكون لأجل الشك في الرافع أو الغاية. وقد اختار الشيخ قدسسره عدم جريان الاستصحاب عند الشك في المقتضي ، وحكي ذلك أيضا عن المحقق الخونساري رحمهالله. فقد يتوهم : أن المراد من المقتضي هو الملاك والمصلحة التي اقتضت تشريع الحكم على طبقها (١) ويقابله الرافع وهو ما يمنع عن تأثير الملاك في الحكم بعد العلم بأن فيه ملاك التشريع ، فيكون الشك في المقتضي عبارة عن الشك في ثبوت ملاك الحكم عند انتفاء بعض خصوصيات الموضوع ، لاحتمال أن يكون لتلك الخصوصية دخل في الملاك. والشك في الرافع عبارة عن الشك في وجود ما يمنع عن تأثير الملاك في الحكم بعد العلم بثبوته ، لاحتمال أن يكون لتلك الخصوصية المنتفية دخل في تأثير الملاك ، فيكون الشك في بقاء علم زيد مثلا من الشك في
__________________
١ ـ أقول : ما أظن أحدا يريد من المقتضي في المقام ما هو الملاك لاحداث تشريع الحكم ولو لم يكن مقتضيا لبقائه ، بل عمدة نظره إلى المقتضي لبقائه ، وحينئذ ففي الأحكام التكليفية ليس المقتضي لبقائها إلا ما هو المقتضى لثبوتها من المصالح وبذلك أيضا يحرز استعداد الحكم للبقاء ، إذ يستحيل استعداد للتكاليف بقاء بدون بقاء المصلحة في متعلقه ، وطريق إحرازه ربما يكون بكيفية لسان الدليل : من كونه في مقام إثبات حكم لموضوعه مطلقا ، بلا نظر إلى فعلية الحكم من سائر الجهات. وبعبارة أخرى : كان الخطاب بمادتها الكاشفة عن مصلحة الحكم مطلقا وإن لم يكن من حيث الفعلية مثل هذا الاطلاق ـ كما هو الشأن في الاحكام الاقتضائية كحلية الغنم وحرمة الخمر ـ بل ومع فرض إطلاقنا من حيث الفعلية أيضا ، ولكن خصص مرتبة فعليته بما يشك في مصداقه ، هذا كله في التكليفيات. وأما في الأحكام الوضعية : فلا شبهة في أن المقتضي لاحداثها من أسبابها لا يكون مقتضيا لبقائها ، فهي من هذه الجهة نظير كثير من الأمور الخارجية في أن العلية المحدثة كالبناء والبناء لا يكون علة مبقية ، بل بقائه مستند إلى اقتضاء في ذاته المعبر عنه بالاستعداد ، وحينئذ مرجع الشك في المقتضى بقاء إلى الاستعداد المزبور في جميع المقامات ، ولا أظن من أحد يريد غير هذا المعنى ، كما لا يخفى.