الاعتناء بالشك في انتقاضها.
وهذه الدعوى في الجملة مما لا إشكال فيها ولا سبيل إلى إنكارها ، لأنه قد استقرت الطريقة العقلائية على العمل بالحالة السابقة وعدم الاعتناء بالشك في ارتفاعها ، كما يشاهد ذلك في مراسلاتهم ومعاملاتهم ومحاوراتهم ، بل لولا ذلك يلزم اختلال النظام ، فان النيل إلى المقاصد والوصول إلى الاغراض يتوقف غالبا على البناء على بقاء الحالة السابقة ، ضرورة أن الشك في بقاء الحياة لو أوجب التوقف في ترتيب آثار بقاء الحياة لانسدت أبواب المراسلات والمواصلات والتجارات ، بل لم يقم للعقلاء سوق.
وبالجملة : لا ينبغي التأمل في أن الطريقة العقلائية قد استقرت على ترتيب آثار البقاء عند الشك في الارتفاع (١) وليس عملهم على ذلك لأجل حصول الاطمينان لهم بالبقاء ، أو لمحض الرجاء ، بداهة أنه لا وجه لحصول الاطمينان مع فرض الشك في البقاء ، والعمل برجاء البقاء إنما يصح فيما إذا لم يترتب على عدم البقاء أغراض مهمة ، وإلا لا يكاد يمكن ترتيب آثار البقاء رجاء ، مع أنه يحتمل فوات المنافع أو الوقوع في المضار المهمة ، فعمل العقلاء على الحالة السابقة ليس لأجل الرجاء ولا لحصول الاطمينان ، بل لكون فطرتهم جرت على ذلك فصار البناء على بقاء المتيقن من المرتكزات في أذهان العقلاء.
فظهر : أنه لا مجال لانكار قيام السيرة العقلائية والطريقة العرفية على الاخذ بالحالة السابقة وعدم الاعتناء بالشك في ارتفاعها ، ولم يردع عنها الشارع.
__________________
١ ـ أقول : ولعمري! أن جميع ذلك من باب الوثوق النوعي الحاصل في نظائره من ظواهر الألفاظ وسائر الموارد التي يجري على طبق الغالب ، لا أنه من باب التعبد والاخذ بأحد طرفي الشك تعبدا ، ولو فرض تماميته وعدم ثبوت الردع عن مثل هذا الوثوق النوعي في الموضوعات للزم حجية الاستصحاب من باب الظن وكان من الامارات ، ولا أظن يلتزم به المستدل ، فتدبر.