وذلك : لان قوله تعالى : « إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم » إلى قوله تعالى : « وإن كنتم جنبا فاطهروا » يدل على وجوب الوضوء على من كان نائما ولم يكن جنبا ، فقد اخذ في موضوع وجوب الوضوء قيد وجودي وهو النوم وقيد عدمي وهو عدم الجنابة. وهذا القيد العدمي وإن لم يذكر في الآية الشريفة صريحا ، إلا أنه من مقابلة الوضوء للغسل والنوم للجنابة يستفاد منها ذلك ، فان التفصيل بين النوم والجنابة والوضوء والغسل قاطع للشركة ، بمعنى أنه لا يشارك الغسل للوضوء ولا الوضوء للغسل ، كما يستفاد نظير ذلك من آية الوضوء والتيمم ، فان قوله تعالى : « فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا » يدل على أن وجدان الماء قيد في موضوع وجوب الوضوء ، وإن لم يذكر في آية الوضوء صريحا إلا أنه من مقابلة الوضوء للتيمم يستفاد ذلك ، لان التفصيل قاطع للشركة ، ومن هنا نقول : إن القدرة على الماء في باب الوضوء تكون شرعية ، لأنها اخذت في موضوع الدليل ، فكأن الآية نزلت هكذا : « إذا قمتم من النوم وكنتم واجدين للماء ولم تكونوا جنبا فاغسلوا وجوهكم الخ ».
والحاصل : أنه يستفاد من الآية الشريفة كون الموضوع لوجوب الوضوء مركبا من النوم وعدم الجنابة ، فيكون المثال المتقدم من صغريات الموضوعات المركبة التي قد أحرز بعض أجزائها بالوجدان وبعضها لآخر بالأصل ، فان النائم الذي احتمل الجنابة قد أحرز جزئي الموضوع لوجوب الوضوء وهو النوم بالوجدان وعدم الجنابة بالأصل ، فيجب عليه الوضوء ، وإذا وجب عليه الوضوء لا يجب عليه الغسل ، لما عرفت : من أنه لا يجتمع على المكلف وجوب الوضوء والغسل معا ، لان سبب وجوب الوضوء لا يمكن أن يجتمع مع سبب وجوب الغسل ، فان من أجزاء سبب وجوب الوضوء عدم الجنابة ، فلا يعقل أن يجتمع مع الجنابة التي هي سبب وجوب الغسل ، فإنه يلزم اجتماع النقيضين ، ففي المثال لا يجب على المكلف إلا الوضوء ، فإذا توضأ جاز له فعل كل مشروط بالطهارة حتى مس