وثانيا : ما تقدم من أنه لا يجرى استصحاب عدم الوجوب ، بالتقريب المتقدم.
وأما ما ذكره من مثال الوضوء والمذي والنجاسة والغسل مرة واحدة : ففيه مضافا إلى ما تقدم أن رتبة جعل المذي رافعا لاثر الطهارة أو غير رافع له إنما تكون متأخرة عن رتبة جعل الوضوء سببا للطهارة ، فلا يعقل أخذ عدم رافعية المذي قيدا في سببية الوضوء للطهارة ، فتأمل جيدا.
ـ التنبيه الخامس ـ
قد تقدم : أنه لا فرق في جريان الاستصحاب بين أن يكون الدليل المثبت للمستصحب هو العقل أو الكتاب والسنة. وقد خالف في ذلك الشيخ قدسسره فذهب إلى عدم جريان الاستصحاب إذا كان الدليل هو العقل ، وقد عرفت ضعفه. ونزيده في المقام وضوحا ، فنقول : إن البحث عن جريان الاستصحاب في باب المستقلات العقلية يقع في مقامات ثلاث :
الأول : في استصحاب نفس الحسن والقبح العقلي عند الشك في بقائه لأجل حصول الغاية أو وجود الرافع.
الثاني : في استصحاب الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي بقاعدة الملازمة.
الثالث : في استصحاب الموضوع الذي حكم العقل بحسنه أو قبحه والشارع بوجوبه أو حرمته.
أما المقام الأول : فلا أثر للبحث عنه ، إذ لا يترتب على استصحاب الحسن والقبح العقلي أثر إلا إذا أريد من استصحابه إثبات الحكم الشرعي : من الوجوب أو الحرمة (١) ولا يمكن إثبات ذلك إلا على القول بحجية الأصل
__________________
١ ـ أقول : الأولى أن يقال : إن الحسن والقبح بعدما كان من الاحكام العقلية الوجدانية بحيث يكون دركه إياه مقوم وجوده وليس من الاحكام العقلية الاستكشافية التي يكون دركه لها طريقا عليها