التصرف فيما كان مال الناس واقعا ، وأما عند الشك في كون المال مال الناس فله حكم طريقي بقبح التصرف في المشكوك مخافة أن يكون مال الناس واقعا ، فحكم العقل بقبح التصرف في المشكوك إنما يكون لمحض الاحتياط والطريقية ، نظير حكم الشارع بالاحتياط في باب الفروج والدماء.
إذا تبين ذلك ، فنقول : إنه في القسم الأول من الاحكام العقلية لا تجري الأصول العملية في موارد الشك في الموضوع ولا مجال للتعبد بها. لأن الشك بنفسه موضوع لحكم العقل بالقبح ، فيكون الحكم العقلي محرزا بالوجدان ، وذلك واضح.
وأما القسم الثاني : وهو ما إذا كان للعقل في مورد الشك حكم طريقي ، فالأصول المحرزة كالاستصحاب تجري ويرتفع بها موضوع الحكم العقلي الطريقي ، سواء كان موافقا لمؤدى الأصل الشرعي أو مخالفا له ، فان حكم العقل بقبح التصرف في المال المشكوك كونه مال الناس إنما هو لمجرد الاحتياط وعدم الامن من الوقوع في مخالفة الواقع ـ نظير حكمه بالاحتياط في أطراف الشبهة المحصورة ـ فيرتفع موضوعه بالاستصحاب المثبت كونه مال الناس أو مال الشخص ، لحصول المؤمن في الثاني واندراج المشكوك في الموضوع الواقعي في الأول ، فلا يبقى مجال للحكم العقلي الطريقي.
هذا إذا كان في المشكوك أصل موضوعي محرز ومثبت لاحد طرفي الشك. وأما إذا لم يكن في المشكوك أصل موضوعي محرز ووصلت النوبة إلى أصالة البراءة والحل ، فالحكم العقلي الطريقي يكون حاكما ومقدما في الرتبة على أصالة البراءة والحل ، لان موردهما أعم من المستقلات العقلية ، فلو قدم أصالة البراءة والحل يبقى الحكم العقلي الطريقي بلا مورد ، وقد تقدم البحث عن ذلك في مباحث البراءة والاشتغال.