__________________
نعم : تأثير هذا الاشتياق المبرز كما أنه منوط بوجود الموضوع مقدمة لتطبيق خطابه ، كذلك منوط بالعلم به ، فلو كان مفاد الخطابات هذا الامر المنوط يلزم اختصاص مضمون الخطاب بالعالم به ، وليس كذلك ، فلا محيص من الالتزام بأن مضامين الخطاب ليس إلا نفس الإرادة أو الطلب المبرز بانشائه الكلامي ، وأن مرتبة تأثيرها متأخر عنها رتبة ، وهو المساوق لرتبة امتثالها ، مع أنه على فرض تخصيص فعلية الحكم بهذه المرتبة لا يكون هذه المرتبة أيضا جعليا ، كيف! والعقل بمجرد الالتفات إلى اشتياق المولى ـ ولو باعلامه إياه بخطابه ـ يحكم بتأثير مثل هذا الخطاب في حكم العقل بلزوم الامتثال ، فياليت شعري! أن القائل بجعلية الأحكام التكليفية أي مرتبة يريد؟ ونحن لا نتعقل إلا تكوين الاعلام بكلامه ، وهذا المعنى آب عن جعلية الحكم في عالم التشريع وفي مقام الحقيقة ، كما هو الشأن في الأحكام الوضعية ، فإنه لا محيص من جعليته فيها.
ثم إن المبرز بخطاب المولى تارة : إرادة فعلية غير منوط بوجود الشيء في لحاظ الآمر ، وأخرى : منوط بوجوده ، ومرجع إناطة الإرادة إلى اشتياق فعلي في ظرف لحاظ الشيء ، لا أن الاشتياق تقديري ، كما هو الشأن في سائر الوجدانيات : من العلم والتمتي وأمثالهما ، والسر في ذلك : هو أن هذه الصفات في فعليتها بأي نحو من التعلق لا يحتاج إلى وجود المتعلق خارجا ، وأنها مما كان ظرف عروضها الذهن وأن الخارج ظرف اتصافها ، نعم : لابد وأن يكون الملحوظات الذهنية بنحو يرى خارجية على وجه لا يلتفت إلى ذهنيتها ، كما هو الشأن في تعلق القطع والظن بها عند تخلفها عن الواقع ، وهكذا بالنسبة إلى ما أنيط بها. ولذا في القضايا التعليقية ترى الجزم بوجود شيء منوطا بوجوده في لحاظه متحققا على وجود المنوط في ظرف ملحوظه. ولا يتوهم : بأن مركز جزمه الملازمة بينهما ، إذ هما مفهومان متغايران متلازمان ، والجزم بأحد المفهومين غير الجزم بالآخر ، لان قوام أنحاء التصديق بأنحاء تصوره.
فإذا عرفت ذلك ترى أن لب الإرادة المشروطة يرجع إلى فعلية الاشتياق التام القائم بالنفس في ظرف لحاظ الشيء خارجا ، قبال الإرادة المطلقة الراجعة إلى الاشتياق بالشئ لا في ظرف وجود شيء آخر في لحاظه ، وربما يفترقان في عالم التأثير ، حيث إن تأثير الإرادة في ظرف الشيء لا يكون إلا بوجوده خارجا ، ومن هذا الباب كلية إناطة الإرادة بموضوعه. وحينئذ فمفاد الخطاب المشروط ليس إلا هذه الإرادة في ظرف الشيء لحاظا ، ففي الحقيقة الاشتياق الفعلي قائم بفرض وجود الموضوع أو الشرط ، فصح لنا أن نقول : إن المبرز بالخطابات التي هي روح الحكم المتجسم بابرازه بخطابه في جميع المقامات فعلي قائم على الوجودات الفرضية واللحاظية ، لا أن مفاد الخطاب مجعول فرضي بفرض وجود موضوعه ، نظير الملكية الفرضية في العقود التعليقية. وحينئذ لنا دعوى أجنبية القضايا الطلبية عن القضايا الحقيقية