هذا ، ولكن لا يخفى عليك فساد التوهم ، لان تعارض الأصول إنما هو باعتبار تعارض مؤدياتها وما هو المجعول فيها ، والمؤدى في كل من استصحاب الطهارة وقاعدتها أمر واحد وهو طهارة مشكوك الطهارة والنجاسة ، والمفروض عدم إمكان جعل الطهارة في كل من الانائين ، فكل من مؤدى استصحاب الطهارة وقاعدتها في متيقن الطهارة يعارض مؤدى قاعدة الطهارة في الاناء الآخر ، فتسقط جميعا في عرض واحد (١) وحكومة الاستصحاب على القاعدة لا أثر لها في المقام ، وإنما يظهر أثرها في الشك السببي والمسببي.
والحاصل : أن تعارض الأصول وسقوطها إنما هو باعتبار أن المجعول فيها معنى يؤدي إلى المخالفة العملية ، فلابد من ملاحظة ما هو المجعول في الأصول الجارية في أطراف العلم الاجمالي ، فان كان المجعول فيها معنى يؤدى إلى المخالفة العملية فلا محالة يقع التعارض بينها وتسقط ، ولو فرض أنه كان في أحد الأطراف أصول متعددة وفي الطرف الآخر أصل واحد ، فان الأصل الواحد يعارض جميع تلك
__________________
١ ـ أقول : لم يبق أحد شبهة في أن جعل الطهارتين في طرف واحد وفي عرض فارد مستحيل ، كما أنه لا شبهة لاحد أيضا في أن منشأ تعارض الأصول بملاحظة مؤداتها الموجب لطرح العلم الاجمالي ، وإنما الكلام في أنه لم لا يمكن في مقام الثبوت جعل طهارتين طوليين بنحو لا يكاد اجتماعهما في زمان بل ورتبة واحدة؟ ولو لمصلحة ثبوت المتأخر عند عدم ثبوت السابق ، فينتج في المقام جريان الطهارة في أحد الطرفين بلا معارض ، ومع الاغماض عن هذه الجهة لم لا يمكن جعل الشارع للطهارة الواحدة المجعولة طريقين؟ أحدهما في مرتبة الدلالة في طول الآخر ، بحيث لا يصل النوبة إلى عموم الثاني الذي هو أحد الطريقين إلا بعد سقوط العموم الأول ولو بالتعارض.
ولعمري! أن الجواب في المقام كالجواب عن التخيير في جريان الأصول النافية ليس إلا مجرد المصادرة ودعوى بلا دليل يعرف البصير الناظر أنه ليس الالتزام بما التزم إلا من باب ضيق الخناق وتشبث الغريق بكل حشيش!.
فمن الأول تلتزم بما أسلفناه تستريح من هذه النقوض الواضحة البينة التي تكون في الوضوح ـ لولا انغراس الشبهة ـ كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار.