تطبيق المفهوم على ما لايكون مصداقا له واقعا ، كما يشاهد أن العرف يتسامح ويطلق أسماء المقادير على ما ينقض عن المقدار أو يزيد يسيرا ، فالمسامحات العرفية لا أثر لها وتضرب على الجدار بعد تبين المفهوم.
وما قرع سمعك : من اتباع نظر العرف في باب الاستصحاب وأخذ الموضوع منه ، فليس المراد منه اتباع نظره المسامحي ، بل المراد منه أن الاتحاد المعتبر بين القضية المشكوكة والقضية المتيقنة إنما يرجع فيه إلى العرف بحسب ما هو المرتكز في ذهنه من مناسبة الحكم والموضوع ، كما تقدمت الإشارة إليه ، وسيأتي تفصيله ( إن شاء الله تعالى ).
وبالجملة : لا عبرة بالمسامحات العرفية في شيء من الموارد ، فان كان الحكم الشرعي فيما نحن فيه مترتبا على نفس الواسطة حقيقة وكانت هي الموضوع له واقعا ، فلا يمكن إثباته بالأصل الجاري في ذي الواسطة وإن فرض أن العرف يتسامح ويرى الموضوع للحكم نفس مؤدى الأصل لخفاء الواسطة وعدم الالتفات إليها. وإن كان الحكم الشرعي مترتبا في الواقع على ذي الواسطة وكانت الواسطة العقلية أو العادية علة لثبوت الحكم لمؤدى الأصل ، فهذا لا يرجع إلى الأصل المثبت وإن فرض أن العرف يتسامح ويجعل الموضوع للحكم نفس الواسطة. فدعوى : اعتبار الأصل المثبت مع كون الواسطة خفية ، ضعيفة غايته وأضعف منها إلحاق الواسطة الجلية بها ، فإنه على هذا يلزم القول باعتبار الأصل المثبت مطلقا ، إذ ما من مورد إلا ويمكن فيه دعوى كون الواسطة خفية أو جلية
__________________
شاء الله تعالى ).
وأما جلاء الواسطة : فإنما يتصور في مورد يكون الملازمة بينهما بمقدار لا يرى العرف التفكيك بينهما حتى في عالم التنزيل ، كما يتصور في الأبوة والبنوة وأمثال ذلك ، وذلك على فرض تمامية الصغرى لا إشكال في الكبرى أيضا ، ولا مجال لدعوى الخفاء والجلاء المصحح للاثبات في جميع المقامات ، كما لا يخفى.