طرفي الشك على أنه هو الواقع وإلغاء الطرف الآخر في عالم التشريع فيرتفع به موضوع الأصل الغير المحرز (١) وكذا الحال في الأصل السببي والمسببي ، فان الأصل السببي مطلقا ـ ولو كان غير متكفل للتنزيل ـ رافع للشك المسببي ، كما سيأتي بيانه ( إن شاء الله تعالى ).
وبالجملة : حكومة الأدلة المتكفلة للأحكام الظاهرية بعضها على بعض إنما تكون باعتبار رفع دليل الحاكم موضوع دليل المحكوم في عالم التشريع مع بقائه في عالم التكوين ، فان قيام الامارة على خلاف مؤدى الأصل لا يوجب رفع الشك خارجا ، لاحتمال مخالفة الامارة للواقع ، فموضوع الأصل محفوظ تكوينا ، ولكن لما كان المجعول في باب الامارات هو الاحراز وإلغاء احتمال الخلاف كانت الامارة رافعة للشك في عالم التشريع ، لان المكلف يكون محرزا للواقع بحكم التعبد بالامارة ، فلا يبقى موضوع الأصل.
وكذا الكلام في حكومة الأصول بعضها على بعض. والجامع بين الكل : هو أن مفاد التعبد بأحد الدليلين إن رجع إلى إثبات متعلق الشك الذي اخذ موضوعا في الدليل الآخر ، فالدليل المثبت لمتعلق الشك يكون حاكما على الآخر ، سواء كان إثبات المتعلق بتوسط جعل الاحراز كما في الامارات ـ أو بتوسط الحكم بالبناء العملي على بقاء الواقع في أحد طرفي الشك ـ كما في الأصول المحرزة ـ وقد يكون مفاد الدليل إثبات متعلق الشك بلا توسط جعل الاحراز وبلا توسط البناء العملي على بقاء الواقع في أحد طرفي الشك بل نفس التعبد بمفاد الدليل يقتضي إثبات متعلق الشك ـ كما في الأصل السببي والمسببي ـ على ما سيأتي بيانه.
فظهر : أن الوجه في تقدم الامارات على الأصول العملية إنما هو الحكومة ،
__________________
١ ـ أقول : بعدما كان ميزان الأصلية على عدم كون نظر الدليل إلى جهة كشفه ولا تتميم كشفه ، فلا يعقل أن يثبت به المعرفة التي هو غاية أصالة الحل ، ومع عدم ثبوته كيف يثبت الحكومة؟ فتدبر.