وأما الوجه الثاني من الوجه الثاني : وهو ما إذا علم المكلف صورة العمل وأنه صلى إلى هذه الجهة المعينة أو علم أنه لم يحرك الخاتم في يده ولكن يحتمل وصول الماء تحته ، فالأقوى : عدم جريان القاعدة فيه ، فان الشك فيه لا يتمحض في جهة انطباق المأتي به على المأمور به ، بل الشك في الصحة والفساد في مثله إنما يكون لأمر خارج عن حيثية الانطباق ، فان الشك في وصول الماء تحت الخاتم أو كون هذه الجهة المعينة هي القبلة لا ربط له بعمل المكلف ، بل الشك في ذلك حاصل ولو لم يصدر من المكلف عمل ، وهذا بخلاف الوجه الأول ، فان الشك فيه متمحض في الانطباق وعدمه ، لأن الشك في وصول الماء تحت الخاتم بعد تحريكه أو الشك في كون الجهة التي صلى نحوها هي القبلة لا يكون إلا بعد صدور العمل عن المكلف.
وحاصل الكلام : أنه فرق واضح بين ما إذا عمل الجاهل مدة ثم شك في كيفية عمله وأنه كانت صلاته مع السورة أو بلا سورة أو أنه صلى مع المشكوك أو لا ، وبين ما إذا علم المكلف أنه صلى بلا سورة أو صلى في الثوب المعين المشكوك كونه من المشكوك (١) فان الشك في الأول يتمحض في انطباقه على فتوى من يقول ببطلان الصلاة مع المشكوك أو بلا سورة ، وفي الثاني يكون لأمر خارج وإن حصل منه الشك في انطباق العمل على الواقع المأمور به ، وقد عرفت : أن موضوع قاعدة الفراغ هو الشك المتمحض في الانطباق وعدمه.
__________________
١ ـ أقول : لا إشكال في أن مصب القاعدة هو صورة الشك في انطباق المأمور به على المأتي به ، سواء كان الشك في الانطباق من جهة الشك في اتيان العمل مع شرطه المعلوم مصداقه أو مع الجزم باتيانه مع الشك في مصداقية الموجود شرطه. وتنظير المقام بفرض اتيان الصلاة بلا سورة غلط ، إذ الشك فيه ناش عن الشبهة الحكمية ، وأين هذا مع اتيان الصلاة إلى جهة الجنوب مع الشك في كونه مصداق القبلة؟ وحينئذ لا وجه لتخصيص القاعدة بالشك الأول بعد صدق كون المأمور به مما يشك انطباقه مع المأتي به في الفرضين. وبذلك تعرف حال سائر التضيقات في المقام ، لان ذلك كله خلاف إطلاق لفظ القاعدة ، كما لا يخفى.