فنقول : إنه يعتبر في تأثير العلم الاجمالي واقتضائه التنجيز بقائه على صفة حدوثه وعدم تعقبه بما يوجب انحلاله وتبدل المنكشف به (١) لان اعتبار العلم الاجمالي إنما هو لكونه طريقا وكاشفا عن التكليف المولوي ، فلابد من انحفاظ طريقيته وكاشفيته ، وهو إنما يكون ببقائه على صفة حدوثه وعدم حدوث ما يوجب تغييرا في ناحية المعلوم ، فالعلم الاجمالي بوجوب الاجتناب عن أحد الشيئين إنما يقتضي الاجتناب عنهما إذا لم يحدث ما يقتضي سبق التكليف بالاجتناب عن أحدهما ولو كان ذلك علما إجماليا آخر كان المعلوم به سابقا في الزمان أو في الرتبة على المعلوم بالعلم الاجمالي الأول ، وإلا كان المدار على العلم الاجمالي الثاني الذي سبق معلومه معلوم الأول وسقط العلم الأول عن الاعتبار.
فلو علم بوقوع قطرة من الدم في أحد الانائين ، ثم بعد ذلك علم بوقوع قطرة أخرى من الدم في أحد هذين الانائين أو في الاناء الثالث ، ولكن ظرف وقوع القطرة المعلومة ثانيا أسبق من ظرف وقوع القطرة المعلومة أولا ، فلا ينبغي التأمل في أن العلم الاجمالي الثاني يوجب انحلال الأول لسبق معلومه عليه (٢) ومن الواضح : أن العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي ( بالكسر ) والطرف دائما يكون المعلوم به متأخرا عن المعلوم بالعلم الاجمالي بنجاسة الملاقى ( بالفتح ) والطرف ،
__________________
١ ـ أقول : لا ريب في ذلك ، وإنما الكلام في أن سبق التكليف بشيء آخر وعدمه لا يوجب انقلاب العلم عما هو عليه ، والمفروض أن المنجزية يدور مدار العلم بالتكليف ، فإذا فرض علم آخر بتكليف آخر سابق عليه ، فان كان هذا العلم مسببا عن العلم الأول فالمنجزية للسابق ولو كان في التكليف لاحقا ، فما قيل في المقام حينئذ لا يخلو عن مصادرة.
٢ ـ أقول : فليت شعري! أين هذا الجزم؟ فإنه بعد أن لا يعقل أن يكون العلم المتأخر منجزا للمعلوم في الزمان السابق عن العلم ، فالعلم الحاصل من الأول بأن هذا الكأس واجب الاجتناب في أول الصبح أو الكأس الآخر في آخر اليوم ، هذا العلم التدريجي أين ذهبت؟ وأي مانع عن منجزيته؟ ولعمري ان هذه الكلمات كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء!!!.