الاستحالة واضحة ، لوضوح الدور وتقوف الحكم على نفسه عندئذ. وأما فى الحالة الثانية فلا يجرى الدور بالتقريب المذكور ، ولكن الافتراض مع هذا مستحيل. وقد برهن على استحالته بوجوه :
منها : ان الافتراض المذكور يجعل الحكم المقطوع منوطا بنفس القطع ، وهذا أمر يستحيل ان يسلم به القاطع ، لانه يخالف طبيعة الكاشفية فى القطع التى تجعل القاطع دائما يرى ان مقطوعه ثابت بقطع النظر عن قطعه.
ومنها : انه يلزم الدور فى مرحلة وصول التكليف ، لأن العلم بكل تكليف يتوقف على العلم بتحقق موضوعه ، وموضوعه بحسب الفرض هو العلم به ، فيكون العلم بالتكليف متوقفا على العلم بالعلم بالتكليف. والعلم بالعلم نفس العلم ، لأن العلم لا يعلم بعلم زائد ، بل هو معلوم بالعلم الحضورى ، لحضوره لدى النفس مباشرة ، وهذا ينتج توقف العلم على نفسه.
إلا ان كل هذاإنما يردإذا أخذ العلم بالمجعول فى موضوعه ، ولا يتجه إذا أخذ العلم بالجعل فى موضوع المجعول. فبامكان المولى أن يتوصل الى المقصود بتقييد المجعول بالعلم بالجعل ، وأما من لم يأخذ هذا المخلص بعين الاعتبار ، كالمحقق النائينى رحمه الله (١) فقد وقع فى حيرة من ناحيتين :
الاولى : انه كيف يتوصل الشارع الى تخصيص الحكم بالعالم به إذا كان التقييد المذكور مستحيلا؟
الثانية : انه إذا استحال التقييد ، استحال الاطلاق ، بناء على
ـــــــــــــــ
(١) فوائد الاصول : ج ٣ ص ١٢.