مختاره من ان التقابل بين الاطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل العدم والملكة. وهذا يعنى ان الجعل الشرعى يبقى مهملا بلا تقييد ولا اطلاق ، فكيف يرفع هذا الاهمال ويتعين فى الملطق تارة وفى المقيد أخرى؟
وقد حل رحمه الله ذلك بافتراض جعل ثان يتكفل اثبات نفس الحكم للعالم بالجعل الأول خاصة ، إذا اريد التقييد ، وللمكلف مطلقا من حيث علمه بالجعل الأول وجهله به ، إن اريد الاطلاق. وبذلك تتحقق نتيجة التقييد والاطلاق. وانما نعبر بالنتيجة ، لابهما ، لأن ذلك لم يحصل بالجعل الأول المهمل ، وانما عوض عن اطلاقه وتقييده بجعل ثان على الوجه المذكور. ولا يلزم من التعويض المذكور محذور التقييد والاطلاق فى نفس الجعل الأول ، لأن العلم بالحكم الأول أخذ قيدا فى الحكم الثانى ، لا فى نفسه ، فلا دور. ونظرا الى أن الجعلين قد نشأ من غرض واحد ولأجل ملاك فارد ، كان التقييد فى الثانى منهما فى قوة التقييد فى الأول ، ولهذا عبر عن الثانى بمتمم الجعل الأول.
ويرد عليه انه إن اراد تقييد الحكم فى الجعل الثانى بالعلم الأول ، فهذا التقييد ممكن فى الجعل الأول مباشرة ، كما عرفت. وإن اراد تقييد الحكم فى الجعل الثانى بالعلم بفعلية المجعول فى الجعل الأول المهمل ، فهذا غير معقول ، لأنه يفترض ان فعلية المجعول بالجعل الثانى فرع العلم بفعلية المجعول بالجعل الأول المهمل. وحينئذ نتساءل ان المجعول بالجعل المهمل هل ترتبط فعليته بالعلم به ، أو لا؟ فعلى الأول يعود المحذور ، وهو توقف الشىء على العلم به. وعلى الثانى يلزم الخلف ، وأن يكون الجعل المهمل الذى لا اطلاق فيه ملطقا ، لأن ثبوت مجعوله بدون توقف على القيد هو معنى الاطلاق.