بل لو لم تكن بينة وطلب المدعي اليمين أو رده المنكر عليه أمكن ذلك أيضا لغيره بإيقاع الصلح بين المنكر والمدعي بإسقاط الدعوى باليمين أو ثبوتها بيمين الرد ، فتخرج المسألة عن حكم المرافعات التي يختص ثبوت الدعوى أو سقوطها فيها باليمين عند الحاكم ، وتدخل في قسم المعاملات التي يستوي فيها الخواص والعوام ، ودعوى أن ذلك داخل في الصلح على الحرام فلا يصح مردودة بأن ذلك مسدود في باب الأحكام وإلا لم يجز لمدع يعلم ثبوت حقه على المنكر تحليفه ، ولا للمنكر الرد مع علمه بكذب المدعي ، إذ لا يخفى عليك ما في الأخير بعد ما عرفت بل لا يخلو اتكال الاكتفاء بالبينة إلى الظلمة والفساق وأهل الأغراض الفاسدة ـ مع عدم معرفتهم العدالة وعدم معرفتهم معنى الشهادة وكيفيتها ومعنى الجرح وغير ذلك من الأمور التي لا يحسنها إلا الماهر ـ من فساد عظيم ، بل قد يئول إلى الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
نعم لا بأس بما يجوز منه للعارف وإن لم يصل إلى رتبة الاجتهاد كل ذلك بعد الإغضاء عن الإشكال في كون الدعوى من الحقوق التي تقابل إثباتا وإسقاطا بمال ، وإنما هي من قبيل الأحكام وأن لا تسقط بالإسقاط ، واشتهار الصلح عن إسقاطها بمال مرجعه إلى الصلح على المدعى به بزعم المدعي ، لا عن إسقاطها ، ولذا يحرم عليه المال لو كان عالما بعدم مال له مثلا عند المنكر ولكن يكون الصلح قاطعا للدعوى على زعم المدعي نحو شراء من اعترف بحرية عبد من يدعي ملكيته ، فإن فائدته تمحض العبد للحرية وقطع دعوى الملكية ، واحتمال التزام القائل في الفرض بأنه صلح أيضا عن مال المدعي بزعمه الذي هو عند المنكر بأن يحلف بالله كذبا أنه ليس له كما ترى لا يرجع إلى محصل ، خصوصا إذا فرض في غير حال الدعوى بأن يصالحه على