ذلك كله للمختار ، أما المضطر كمن عرض له مرض أو نفد سلاحه فإنه يجوز له الانصراف ، وهو كذلك مع الضرورة التي يسقط معها التكليف ، وإلا لم يجز ، لإطلاق الآية ، وخصوصا إذا كان بالانصراف مفسدة على المسلمين بظهور الضعف والوهن أو خوف انكسارهم وغلبة العدو عليهم ، ولو قدم العدو إلى بلد جاز لأهله التحصن منهم وإن كانوا أكثر من الضعف ليلحقهم المدد والنجدة ، وليس ذلك فرارا ولا توليا ، بل لو لقوهم خارج الحصن جاز لهم التحيز إليه ، نعم ذهاب الدواب ليس عذرا في جواز الفرار ، لأن القتال ممكن للرجال ، بل لو ذهب سلاحهم جاز تحيزهم إلى مكان فيه الحجارة ليقاتلوا بها ، والله العالم.
وعلى كل حال ف لو غلب عنده الهلاك مع كون العدو على الضعف أو أقل وكان في فئة لم يجز له الفرار كما في النافع والإرشاد والتحرير والتذكرة والتنقيح والمسالك وغيرها ، بل في الرياض نسبته إلى الأكثر وقيل يجوز والقائل الشيخ في محكي المبسوط ولم أتحققه ، لأن المحكي عنه في التنقيح أنه حكاه قولا ، بل حكي عنه في الخلاف أنه قال : الأولى عدم الجواز ، نعم هو خيرة الفاضل في القواعد والمختلف للأصل ، ولقوله تعالى (١) ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وللحرج وسقوط أكثر الواجبات بظن الهلاك ولكن الأول أظهر لقوله تعالى (٢) ( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) والنصوص (٣) المستفيضة أو المتواترة الدالة على حرمة الفرار من الزحف وأنه من
__________________
(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩١.
(٢) سورة الأنفال ـ الآية ٤٧.
(٣) الوسائل ـ الباب ٢٩ من أبواب جهاد العدو والباب ٤٦ من جهاد النفس.