والحرف كما أنّهما موضوعان لمعنى واحد وإنّ كلاً من لحاظ الآليّة والاستقلاليّة خارج عن أصل المعنى والمستعمل فيه ، فكذلك الخبر والإنشاء أيضاً فالخصوصّية الناشئة من قبل الإنشاء خارجة عن أصل المعنى والمستعمل فيه ، فالمعنى الذي استعمل فيه صيغة الأمر في قولك « إن جاءك زيد فأكرمه » هي طبيعة الوجوب وهي المعلّقة على الشرط لا شخص الحكم كي ينتفي الشخص بانتفاء الشرط.
وقال المحقّق البروجردي رحمهالله في هذا المقام ما إليك نصّه في تقريراته : « القول بكون المراد في باب المفاهيم انتفاء السنخ وإن اشتهر بين المتأخّرين وأرسلوه إرسال المسلّمات ، ولكن لا نجد له معنىً محصّلاً ، لوضوح أنّ المعلّق في قولنا : « إن جاءك زيد فأكرمه » مثلاً هو الوجوب المحمول على إكرام زيد ، والتعليق إنّما يدلّ على انتفاء نفس المعلّق عند انتفاء المعلّق عليه كما عرفت ، وما تفرضه سنخاً إن كان متّحداً مع هذا المعلّق موضوعاً ومحمولاً فهو شخصه لا سنخه ، إذ لا تكرّر في وجوب إكرام زيد بما هو هو ، وإن كان مختلفاً معه موضوعاً أو محمولاً كوجوب إكرام عمرو مثلاً أو استحباب إكرام زيد فلا معنى للنزاع في أنّ قوله « إن جاءك زيد » يدلّ على انتفائه أو لا يدلّ » (١) ( انتهى كلامه ).
ويظهر من الشهيد قدسسره في تمهيد القواعد اختصاص النزاع بغير موارد الوصايا والأوقاف ونحوها ، لأنّه لا إشكال في دلالة القضيّة الشرطيّة في مثل الوقف والوصايا والنذر والأيمان على المفهوم ، فيستفاد من كلامه أنّ دلالة القضيّة على الانتفاء عند الانتفاء في هذه الموارد يكون من باب المفهوم.
أقول : أوّلاً : إنّ دلالة القضيّة الشرطيّة في موارد الوقف والوصايا ونحوها على المفهوم إنّما هي من باب نصب قرينة فيها عليه وهي كون الواقف أو الموصي مثلاً في مقام الإحتراز ، فالقيود الواردة في كلامه حينئذٍ قيود إحترازيّة التي لا إشكال في انتفاء الحكم عند انتفائها ولو كانت من قبيل اللقب ، فالحقّ مع الشهيد قدسسره من أنّ الانتفاء عند الانتفاء في الموارد المذكورة إنّما هو من باب المفهوم ، أي انتفاء سنخ الحكم لا من باب انتفاء شخص الحكم ، وهذا لا يستلزم دلالة اللقب أو الوصف أو الشرط على المفهوم مطلقاً حتّى عند عدم نصب قرينة عليه كما لا يخفى.
__________________
(١) راجع نهاية الاصول : ص ٢٧٢ ـ ٢٧٣.