الأمارات هو تتميم الكشف أي يكمّل الشارع بأدلّة الحجّية الكشف الظنّي الموجود في الأمارة ).
ثمّ أشار إلى ما مرّ من إشكال الجمع بين اللحاظين بأنّ بناء هذا الإشكال على تخيّل أنّ دليل الاعتبار إنّما يتكفّل لإثبات أحكام الواقع للمؤدّى أو أحكام القطع للأمارة فيكون تعميماً في الموضوعات الواقعيّة أو في العلم المأخوذ في الموضوع واقعاً ، وأمّا إذا بنينا على عدم تكفّل دليل الحجّية والاعتبار للتنزيل أصلاً بل غاية شأنه هو إعطاء الطريقيّة والكاشفيّة للأمارة وجعل ما ليس بمحرز للواقع حقيقة محرزاً له تشريعاً فليس هناك تنزيل حتّى يترتّب عليه الجمع بين اللحاظين المتنافيين » (١).
أقول يرد عليه :
أوّلاً : ما المراد بإعطاء صفة الكاشفيّة لما ليس كاشفاً؟ أليست الكاشفيّة أيضاً من الامور التكوينيّة غير القابلة للجعل؟ فما ليس بعلم تكويناً وواقعاً كيف يمكن جعله علماً؟ أليس هذا إلاّ كرّ على ما فرّ منه؟
إن قلت : فما هو معنى الحجّية في رأيكم؟
قلت : يمكن أن يبيّن لها معنيان :
الأوّل : تنزيل المؤدّى منزلة الواقع بحسب الأحكام والآثار الشرعيّة ، فمعنى « صدّق العادل » مثلاً « نزّل ما أخبر العادل بخمريته مثلاً منزلة الخمر الواقعي في أحكامه ».
الثاني : جعل حكم طريقي مماثل للحكم الواقعي ، أي ينشأ دليل حجّية خبر العادل فيما إذا أخبر عادل عن خمريّة شيء حرمةً لذلك الشيء مثل حرمة الخمر الواقعي.
ولا يخفى أنّ المعنى الأوّل هو ظاهر لسان الأدلّة ، حيث إن الخبر الذي يقول مثلاً : « ما رواه عنّي فعنّي يروي » يعني « رتّب على ما رواه الآثار والأحكام الشرعيّة » ، والعمدة أنّ الذي يقبل التشريع هو الامور الاعتباريّة مثل الأحكام الشرعيّة لا غيرها.
ثانياً : سلّمنا إمكان إعطاء الكاشفيّة ، لكن ليس هو لسان أحد من أدلّة الاعتبار فليس معنى مفهوم آية النبأ ( وهو : إذا جاءكم عادل فلا تبيّنوا ) اعطيت خبر العادل صفة الكاشفية كما لا يخفى.
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ١٢ ـ ١٣.