أقول : أمّا الإجماع فلا يخفى أنّه في مثل المقام مدركي يرجع إلى سائر الأدلّة فلا اعتبار به مستقلاً ، وأمّا السنّة فقد نوقش فيها بأنّ مقام القضاء مقام خاصّ ، وللشارع اهتمام خاصّ به ، فيكون الدليل أخصّ من المدّعى ، كما ناقش فيها في تهذيب الاصول بأنّ مقام القضاء مقام إنشاء الحكم لا إسناده إلى الله تعالى ، أي أنّ القاضي إنّما يقول : « حكمت وقضيت بكذا وكذا » ولا يقول : « الله يقول كذا وكذا » (١).
لكن يرد عليه ( على مناقشة تهذيب الاصول ) : أنّ القضاء إنشاء يلازم الإخبار عن الشارع ، لأنّ القاضي قام على منصب القضاء الشرعي ، وكأنّه يقول : أنّي أحكم بكذا وكذا لأنّي من قضاة الشرع ومنصوباً من قبل الشارع ، فإنشاؤه حينئذٍ لا ينفكّ عن الإخبار.
ولكن الأنسب والأولى للشيخ قدسسره أن يستدلّ بما ورد في نفس الباب ( أي الباب ٤ من أبواب صفات القاضي ) من دون أن يكون مختصّاً بباب القضاء ، وهي ثلاث روايات :
أوّلها : ما رواه زياد بن أبي رجاء عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « ما علمتم فقولوا : وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم ، أنّ الرجل ينتزع الآية يخرّ فيها أبعد ما بين السماء » (٢).
ثانيها : ما رواه مفضّل بن فريد ( يزيد ) قال : قال أبو عبدالله عليهالسلام : « أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرجال : أنهاك أن تدين الله بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم » (٣).
ثالثها : ما رواه عبدالرحمن بن الحجّاج قال : قال لي أبو عبدالله عليهالسلام : « إيّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك : إيّاك أن تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا تعلم » (٤).
وأمّا دليل العقل فهو شبيه بما استدلّ به المحقّق الخراساني رحمهالله ، يعني ضرورة العقل والوجدان ، وعلى أي حال فقد ظهر ممّا ذكر أنّ الأصل هو عدم حجّية الظنّ إلاّما خرج بالدليل.
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٨٥ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) وسائل الشيعة : الباب ٤ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٥.
(٣) المصدر السابق : ح ٢.
(٤) المصدر السابق : ح ٣.