وقال كاشف الغطاء رحمهالله في كشف الغطاء : « لا ريب أنّه ( أي القرآن ) محفوظ في النقصان بحفظ الملك الديّان كما دلّ عليه صريح القرآن وإجماع العلماء في كلّ زمان ولا عبرة بنادر ، وما ورد من أخبار النقص تمنع البديهة من العمل بظواهرها فلا بدّ من تأويلها » (١).
وقال الرافعي في إعجاز القرآن : « ذهب جماعة من أهل الكلام ممّن لا صناعة لهم إلاّ الظنّ والتأويل واستخراج الأساليب الجدليّة من كلّ حكم وكلّ قول إلى جواز أن يكون قد سقط من القرآن شيء حملاً على ما وصفوا من كيفية جمعه » (٢).
هذا ـ وقد عرفت أنّه لا اعتبار بقول الشاذّ من أصحابنا ومن أهل السنّة بعد شهادة هؤلاء الأكابر بنفي التحريف مطلقاً ، كما أنّك قد عرفت أنّ قول الشاذّ لا ينحصر بالشيعة بل في بعض الكتب المعروفة من السنّة ما يبدو منه أنّ هذا القول الشاذّ نشأ من قبلهم ، فقد ورد في صحيح البخاري : روى ابن عبّاس : أنّ عمر قال فيما قال وهو على المنبر : « أنّ الله بعث محمّداً صلىاللهعليهوآله بالحقّ وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أحصن من الرجال ... ثمّ إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أن لا`ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو : أنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم ... » (٣).
وآية الرجم التي ادّعى عمر أنّها من القرآن ولم يقبل منه أبو بكر لعدم دليل عليه : « إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ».
وروى عروة بن الزبير عن عائشة قالت : « كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن النبي صلىاللهعليهوآله مأتي آية ، فلمّا كتب عثمان المصاحف لم نقدر منها إلاّما هو الآن » (٤).
__________________
(١) راجع مقدّمة تفسير آلاء الرحمن : ص ٢٥.
(٢) المصدر السابق : ص ٤٩.
(٣) صحيح البخاري : ج ٨ ، ص ٢٦ ، نقلاً من كتاب التبيان : ص ٠ ٢٢ ، وفي صحيح مسلم : ج ٣ ، ص ١٣١٧ ، المطبوع في بيروت دار إحياء التراث العربي ، وفي موطأ مالك : ج ٢ ، ص ٨٢٤ ، طبع بيروت دار إحياء التراث العربي.
(٤) راجع البيان : ص ٢٢١.