عادة المتكلّم جارية على ذكر التخصيص منفصلاً عن كلامه فحال المنفصل في كلامه حال المتّصل في كلام غيره ، فكما أنّه يحتاج في التمسّك بعموم كلام سائر المتكلّمين إلى إحراز عدم المخصّص المتّصل إمّا بالقطع وإمّا بالأصل ، كذلك يحتاج في التمسّك بعموم كلام المتكلّم المفروض إلى إحراز عدم المخصّص المنفصل ، فإذا احتاج العمل بالعام إلى إحراز عدم التخصيص بالمنفصل فاللازم الإجمال فيما نحن فيه لعدم إحراز عدمه لا بالقطع ولا بالأصل ، أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني فلما مضى من أنّ جريانه مخصوص بمورد لم يوجد ما يصلح لأن يكون مخصّصاً » (١).
نعم أنّه عدل عنه في هامشه « بأنّ الإنصاف خلاف ما ذكرنا ، ووجهه أنّه لو صحّ ما ذكر لما جاز تمسّك أصحاب الأئمّة بكلام إمام زمانهم لأنّه كالتمسّك بصدر كلام متكلّم قبل مجيء ذيله فحيث جرى ديدنهم على التمسّك ، دلّ ذلك على استقرار ظهور الكلام وعدم كونه مع كلام الإمام اللاحق كصدر الكلام الواحد في المجلس الواحد مع ذيله ».
أقول : الحقّ هو ما ذكره أوّلاً لنفس ما أفاده ، وأمّا الإشكال المذكور في الذيل فيمكن دفعه بأنّ المراد من عدم جواز التمسّك بالعام عدمه بالنسبة إلى أهل الزمان المتأخّر عن صدور الخاصّ ، أي يوجب صدور الخاصّ سقوط العام عن الحجّية بالإضافة إلى ذلك الزمان ، وأمّا بالنسبة إلى أهل الزمان السابق على الخاصّ فيمكن أن يستكشف من ديدن الأصحاب على التمسّك إذن الشارع وحكمه بجواز التمسّك موقتاً إلى أن يرد الخاصّ.
وبعبارة اخرى : استقرار سيرة أصحاب الأئمّة وديدنهم على التمسّك بالعام قبل صدور الخاصّ لا يدلّ على عدم سراية إجمال الخاصّ إلى العام وجواز التمسّك به مطلقاً ، بل يمكن أن يكون لجهة إذن الشارع بالعمل به موقتاً لمصلحة تدريجيّة بيان الأحكام.
وإن أبيت عن هذا وقلت بعدم سراية الإجمال في المخصّص المنفصل الدائر أمره بين الأقلّ والأكثر فلا أقلّ من قبول سراية الإجمال في المخصّص المتّصل بكلمة « إلاّ » ، لما مرّ من عدم تبدّل عنوان العام فيه وانعقاد ظهوره في العموم وأنّ التخصيص يرجع إلى خصوص الإرادة الجدّية فقط.
__________________
(١) درر الفوائد : ج ١ ، ص ٢١٥ ، طبع جماعة المدرّسين.