الثالث إطلاق ما دلّ من الآيات وغيرها على اعتبار أخبار الآحاد كآية النبأ (١) والنفر (٢) والسؤال (٣) فإنّ قضيّة إطلاقها وجوب الأخذ بالخبر من دون انتظار أمر آخر من الفحص وغيره.
والجواب : أنّ الاعتماد على أخبار الآحاد موقوف على سدّ خلل السند والدلالة وجهة الصدور مع خلوّها عن المعارض ، وقد وضعوا لكلّ واحد من هذه المقامات مقاما وعقدوا بابا على حدة ، والمنعقد للمقام الأوّل هو مسألة حجّيّة الأخبار ، والآيات ـ على تقدير دلالتها ـ إنّما يصحّ التمسّك بها فيما إذا كان الشكّ من هذه الجهة. وأمّا إذا شكّ من جهة اخرى فالتعويل على هذه الإطلاقات في دفع الشكّ المذكور ممّا لا وجه له ، فهل ترى أنّه إذا شكّ في جواز الاعتماد على الظنّ الحاصل من أصالة الحقيقة ولو بعد الفحص يصحّ التمسّك بالإطلاق المذكور؟ فالإنصاف : أنّ الاستدلال المذكور أجنبيّ عن طريقة أهل الاستدلال وإن كان المستدلّ (٤) بمنزلة ربّهم!
والعجب أنّه يحتمل تفطّنه بذلك حيث أورد على نفسه بقوله :
فإن قلت : هذا إنّما يتمّ في نفي اشتراط القطع ، وأمّا اشتراط الظنّ فللخصم أن يدّعي أنّ المعنى أنّ الخبر الذي يفهم المراد منه ظنّا أو قطعا لا يجب التثبّت عند مجيء العادل به ، وأمّا الخبر الذي لا يظنّ بالمراد منه فخارج عن مدلول الآية ومفهومها.
__________________
(١) الحجرات : ٦.
(٢) التوبة : ١٢٢.
(٣) الانبياء : ٧.
(٤) وهو المحقّق الشيرواني في حاشيته على المعالم ، وسيجيء كلامه.