الأحكام من الأخبار بطريق استخراجهم ، وإذا علمنا أنّهم لا يتربّصون للفحص عن المخصّص كما هو معلوم لمن استعلم حال السلف ، فإنّ الصحابة والتابعين كانوا يعملون بالعمومات ويحتجّون بها على المتنازعين ولم يطلب أحد من المتنازعين في المسألة التوقف من صاحبه حتّى يبحث عن المعارض ، فكيف نتربّص في العمل بهذه العمومات ، فهل هذا إلاّ التناقض (١)؟ ومن هنا يظهر وجه آخر ، وهو تقرير الإمام عليهالسلام العامل بها من دون فحص ، فيكون حجّة اخرى على الخصم.
والجواب : أنّ الضرورة الدينيّة واقعة على الاشتراك فيما إذا اتّحد موضوعنا وموضوع المشافهين ، وأمّا إذا اختلفا موضوعا فالضرورة واقعة على عدم الاشتراك ، وما نحن فيه من الثاني ، لوجود العلم الإجمالي بكثرة المعارضات على وجه لا يجوز معه الرجوع إلى الاصول ، كما عرفت في دليل المختار.
لا يقال : إنّ وجه الاختلاف في المقام ممّا يجب أن يكون موجودا فيهم أيضا ، فلا سبيل إلى دعوى اختلاف الموضوع.
لأنّا نقول : قد عرفت أنّ إبلاغ الرسول للأحكام الدينيّة لم يكن دفعة واحدة بل إنّما كان على وجه التدريج ، ولازم ذلك اختلاف موضوع المشافه بالخطاب الصادر في أوّل الشريعة والمشافه عند كمالها مثلا ، فيحتمل أن يكون الموجودون في زمن الأئمّة من الصحابة والتابعين لم يطّلعوا إلاّ على العمومات لا تفصيلا ولا إجمالا على وجه يوجب الفحص ، لاحتمال أن يكون كلّ عامّ في نظرهم من أطراف الشبهة الغير المحصورة التي لا توجب الموافقة القطعيّة.
فإن قلت : إنّا لو لم نقل بوجود العلم الإجمالي لهم بأجمعهم فلا بدّ من القول به في زمان الصادقين عليهماالسلام ومن بعدهما من الأئمّة عليهمالسلام ومع ذلك فلم نجد في زبرهم ما يبيّن فيه وجوب الفحص في العمل بالأدلّة المعمولة عندهم.
__________________
(١) إلى هنا انتهى كلام النراقي مع إضافات لم ترد في المناهج الموجودة عندنا.