قلت : لا نسلّم أنّهم كانوا يعملون بالعمومات بعد العلم الإجمالي بكثرة المعارضات والمخصّصات بالأدلّة والعمومات من دون فحص في زمان اجتماع الأخبار وانتظام الآثار ، فإنّ ذلك لعلّه من مقتضيات الجبلّة ولوازم الفطرة كما أشعرنا به ، فكيف يسوغ لك فرض العلم الإجمالي الموجب للفحص لرؤساء الشريعة وأمنائها من أصحاب الأئمة عليهمالسلام مع عدم فحصهم عن المخصّص؟ كلاّ! ثمّ كلاّ! نعم ، حيث إنّهم كانوا مشافهين للأئمّة عليهمالسلام وكان تأخير البيان عن وقت الحاجة غير محتمل عندهم ، فلذلك كانوا يقنعون بالعموم الملقى إليهم من دون الفحص ، ولا أقلّ من أن يكون أكثر العمومات الملقاة إليهم كذلك ، ومن أين علمنا أنّ القبيل الذي لم يكن وروده في محلّ الحاجة لم يتفحّص فيه الراوي؟ ولا ملازمة بين وقوعه ونقله مع هذه الندرة ، لعدم عموم البلوى به ، ولذلك ترى أنّ أرباب التصنيف وأصحاب التأليف أخذوا فيهما ما قصروا في الفحص على وجه يعلم منه أنّ إتعاب أنفسهم في تحصيل الكتب العلميّة وتحمّلهم لمشاقّ الفحص ولوازمه إنّما هو لملزم شرعي أو عقلي لذلك ، إذ لم يعهد إلى الآن استمرار طريقتهم على الوجه المذكور على أمر غير لازم عندهم كما هو معلوم لمن أنصف وتأمّل. وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن التقرير المذكور في آخر الاحتجاج.
الخامس ما استدلّ به بعض الأفاضل (١) : من أخبار التسامح المستفيضة الواردة في من بلغه ثواب (٢) ، فإنّ إطلاق تلك الأخبار يدلّ على كون العامل بالعموم مثابا في جميع أفراده.
ولعمري! إنّه استدلال عجيب بعد ما عرفت من جهة الشكّ في المقام.
__________________
(١) وهو المحقّق النراقي في المناهج : ١١١.
(٢) راجع الوسائل ١ : ٥٩ ، الباب ١٨ من أبواب مقدّمة العبادات.