فإن قلت : ما ذكر من أنّ المراد من الموصل أعمّ من العلّة التامّة وغيرها ينافي ما هو المصرّح به في كلامهم : من أنّ الدليل النقلي ما لا يكون مقدّماته عقليّة صرفة ، فإنّ ذلك إنّما يلائم كون المراد من الموصل خصوص العلّة التامّة كما هو الظاهر.
قلت : قد يطلق الدليل العقلي ويراد به ما ليس بنقلي في قبال الدليل النقلي ، وقد يطلق ويراد به ما يقابل غير العقلي ، فالعقلي بأحد المعنيين لا ينافي النقلي بالمعنى الذي لا يقابله ، بل ينافي ما يقابله ، فالمراد من التسمية بالعقلي : أنّ الحكم مستند إلى العقل ، لا الإجماع وغيره من الأدلّة الشرعيّة. ولا ينافي كونه نقليّا بالمعنى الذي ذكروه ، فإنّه ربما يستند الحكم إلى الكتاب أو السنّة ؛ مع أنّ كلاّ منهما لا يكاد يتمّ الاستدلال بهما إلاّ بعد ضمّ مقدّمة عقليّة أو نقليّة كالإجماع ـ ولو مركّبا ـ ونحوه ؛ ومع ذلك فالحكم مستند إلى الكتاب أو السنّة.
مثلا : لزوم الاجتناب عن الأثواب الملاقية لأبوال ما لا يؤكل لحمه يستفاد من السنّة ، والحكم في الأبدان إنّما يتمّ بعد انضمام عدم القول بالفصل بين الأبدان والأثواب إلاّ (١) أنّ الحكم في الأبدان أيضا مستند إلى الكتاب (٢).
وبالجملة ، لا تنافي بين كون الدليل نقليّا بمعنى كون بعض مقدّماته نقليّة وكونه عقليّا بمعنى استناد الحكم إلى العقل ، كما عرفت عدم المنافاة بين استناد الحكم إلى السنّة أو (٣) الكتاب مع عدم انتهاضهما على تمام المطلوب إلاّ باعتبار مقدّمة خارجة عنهما.
__________________
(١) لم يرد « إلاّ » : في ( ش ).
(٢) كذا ، والظاهر : السنّة.
(٣) في ( ش ) بدل « أو » : « و ».