ثم إنّه لا يخفى عليك عدم انعكاس الحدّ المذكور ، نظرا إلى أنّ المتبادر منه هو اختلاف حكمي العقل والشرع ، كما هو ممّا لا مناص عنه حذرا عن اتّحاد الدليل والمدلول ؛ ومع ذلك فبعض أفراد الدليل العقليّ ـ كالحكم بوجوب المقدمة بعد وجوب ذيها ـ هو عين الحكم الشرعيّ ، فإنّ العقل يدرك وجوب المقدّمة وهو نفس المدلول ، فيلزم الاتّحاد المحذور.
اللهمّ إلاّ أن يجاب عنه : بأنّ الحكم العقلي في المقام هو وجوب المقدّمة عند وجوب ذيها على وجه إجمالي كلّي يتوصّل به إلى حكم شرعيّ خاصّ ، كوجوب الوضوء للصلاة والخروج مع الرفقة للحجّ ، وأمثال ذلك ممّا هو ظاهر كالحكم في سائر الكبريات المستدلّ بها على ثبوت أحكام أفراد موضوعها ، كما لا يخفى.
ثمّ إنّ التقسيم المذكور ممّا لا وجه له ظاهرا ، إذ العقل بعد فرض حكمه فهو مستقلّ فيما يحكم به ، ولا ينافيه ثبوت موضوعه بالشرع ، فإنّ العقل يستقلّ بوجوب مقدّمة الواجب وحرمة الضدّ كما يستقل بوجوب ردّ الوديعة وحرمة الظلم ، من غير فرق بينهما إلاّ فيما لا عبرة به في الاستقلال وعدمه ، وهو تحقّق موضوعه شرعا في الخارج ، فالحاجة إلى ثبوت الموضوع لو كان ممّا يؤثّر في الاستقلال وعدمه لما كان هناك حكم يستقلّ به العقل ، للاحتياج المذكور.
وبالجملة ، فالعقل يحكم بامتناع انفكاك أحد المتلازمين عن الآخر وإن كان ثبوت الملزوم متوقّفا على شيء آخر في الخارج.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الكلام ليس في تلك العناوين الكلّية ـ كوجوب المقدّمة عند وجوب ذيها أو امتناع الانفكاك بين المتلازمين ـ بل الكلام إنّما هو في العناوين المخصوصة المعنونة (١) في كتب الفقهاء : من وجوب الوضوء عند
__________________
(١) في ( ش ) : « المعهودة ».