وجوب الصلاة ، وحرمة الصلاة عند نجاسة المسجد ، وحرمة الضرب عند حرمة التأفيف ، ونحوها من الأحكام الخاصّة. ولا ريب أنّ العقل لا يستقلّ بإدراك أحكام تلك الأمور المخصوصة إلاّ بعد ورود خطاب شرعيّ على وجوب الفعل أو حرمته بخلاف حكم العقل بحرمة الظلم ولو في مورد خاصّ ، فإنّه لا حاجة في ذلك إلى خطاب أصلا ، بل يكفي فيه مجرّد حكم العقل بالتحسين والتقبيح ، فالحكم الكلّي بحرمة الأشدّ عند تحريم الأخفّ أو وجوب المقدّمة عند وجوب ذيها أو حرمة الضدّ عند وجوب الضدّ الآخر لا يثمر في حكم العقل بحرمة (١) الصلاة والتأفيف ووجوب الوضوء إلاّ بعد ورود خطاب الشرع. وهذا هو المراد بالتقسيم.
وأمّا ما عدّه الفاضل التوني من الدليل العقلي كالحكم بالملازمة بين القصر والإفطار ولو كانت الملازمة شرعيّة (٢) ، فهو بظاهره أيضا ليس بشيء ؛ لأنّك قد عرفت آنفا أنّ الدليل لو كان بكلتا مقدّمتيه شرعيّة صغرى وكبرى فهو دليل شرعي لا وجه لعدّه من الأدلّة العقليّة ، وفي المقام صغرى القصر شرعيّة ، والكبرى وهي القضيّة القائلة بالملازمة أيضا شرعيّة لا مدخل للعقل فيها إلاّ مجرّد الاستنتاج ، وهو لا يثمر في نسبة الدليل إلى العقل ، لوجوده فيما ليس بعقلي قطعا (٣).
وبالجملة : إذا ثبت وجوب القصر في أربع فراسخ وثبت أيضا وجوب الإفطار فيما وجب فيه القصر على وجه كلّي ، ثبت وجوب الإفطار في المسافة
__________________
(١) في ( ش ) : « بحكم العقل في حرمة ».
(٢) الوافية : ٢١٩.
(٣) في ( ش ) : « اتّفاقا ».