فإنّه بعد ما صار (١) عالما بواقع المسألة ، بل هداية العقل له إلى الواجد إنّما هو طريق ظاهري علاجا للشكّ في نفس الواقعة دفعا لما يلزم عليه الدور فيما لو رجع إلى الفاقد.
وأمّا ثانيا : فلأنّ القول بمساواة المجتهد والمقلّد في أمثال زماننا الذي يتوقّف الاستنباط على مقدّمات لا ينال إليها إلاّ الأوحديّ من الناس يكاد يلحق بإنكار الضروريّات ، كيف! لو كانا متساويين لزم على المقلّد تحصيل الظنّ بعدم المعارض ، كالمجتهد ، فإنّ مناط العمل بالظنّ فيهما هو الدليل العقلي ، وهو لا يقتضي حجّيّة الظنّ مطلقا ولو كان قبل الفحص ، فإن قلت بوجوب الفحص فيهما يلزم منه تفسيق عامّة المقلّدين ، وإن قلت بعدمه فيهما فهو مخالف لما اعترف به الكلّ. وإن قلت بالفرق بينهما بواسطة الإجماع على العدم في المقلّد والوجوب في غيره ، قلنا : لعلّ اتّفاقهم على العدم بواسطة اعتقادهم أنّ العاميّ لا يقاس حاله بحال المجتهد لانفتاح باب العلم الشرعيّ في حقّه وهو الفتوى.
والإنصاف : أن القول بأن التقليد من باب الدليل العقلي في غاية الركاكة ، لأنّ هذا الدليل العقليّ وإن لم نقل بلزوم الاطّلاع على تفاصيل مقدّماته ـ كما أورده بعض الأفاضل (٢) ـ وقلنا بأنّ مقدّماته ثابتة في الواقع ، فلا ينافي اعتقاد بعض العلماء خلافها ، فإنّ ذلك غير ضائر فيما هو الواقع كما أورده المورد المذكور ممّا ليس مستندا للعاميّ في عمله ورجوعه إلى المفتي ، فإنّ الداعي إلى ذلك ليس إلاّ ما هو المفطور في جميع الناس من رجوع الجاهل إلى العالم ، وذلك
__________________
(١) كذا ، والظاهر : بعده صار.
(٢) لم نعثر عليه.