وإن كان بواسطة تحصيل المعرفة بالحكم ، إلاّ أنّ الأغلب عدم حصولها منه ، بل ولا يحصل الظنّ أيضا كما هو ظاهر لمن راجع وجدانه ، ومع ذلك فهو المقرّر من الأئمة عليهمالسلام والمطابق لما عليه العمل من الأمّة قديما وحديثا ، فصار بذلك طريقا للجاهل. وهذا هو المسوّغ للمجتهد في ردعه العاميّ عن العمل بالظنّ الحاصل من قول الميّت.
كيف! ولو قيل بأنّ الظنّ هو الطريق في حقّ المقلّد يلزم منه إمّا تخريب أساس الشريعة ، أو فرض العاميّ مجتهدا ؛ لأنّ ذلك الدليل العقليّ لا يختصّ بالتقليد ، بل يعمّ سائر الأمارات الظنّية.
والقول بأنّ الإجماع إنّما قام على عدم جواز العمل بغير التقليد من الأمارات الظنّية مع أنّ المناط هو الظنّ بعد أنّه تناقض في حكمي العقل والشرع على وجه لا مصحّح له ـ كما بيّنا في وجه استثناء القياس ـ ممّا لا سبيل إلى إثباته ، فإنّ الإنصاف : أنّ المنع من غير التقليد إنّما هو بواسطة أنّ التقليد طريق خاصّ في حقّه ، وأمّا على تقدير الظنّ فلا نسلّم انعقاد الإجماع على عدم جواز العمل بما يستفاد للعاميّ من الأخبار على وجه ظنّي ، ومن المعلوم : أنّ ذلك يوجب بناء فقه جديد ، كما هو ظاهر.
فإن قلت : إنّه يجب ردعه عن مثل هذه الظنون.
قلت : كيف يجوز للعالم ردعه مع عدم حصول الظنّ من قوله وكون الحكم مظنونا في حقّه؟ سلّمنا الإجماع على عدم جواز العمل بتلك الأمارات حتّى على تقدير كون التقليد ظنّيا لكنّه لا ينفع ؛ لأنّه ليس بديهيّا يعرفه العاميّ ، والاطّلاع على الإجماع ممّا يمنعه المستدلّ كما يظهر منه ، وإخبار المجتهد له ربما لا يوجب الظنّ.