وأمّا ثالثا : فلأنّ الظنّ الحاصل من الإجماع المنقول والشهرة المحقّقة بين العلماء الماهرين المطّلعين على الأسرار الإلهيّة أقوى من الظنّ الحاصل من قول الميّت في المسألة الفرعيّة ، بل لا يكاد يقاس أحدهما بالآخر.
قوله (١) : إن الظن بالواقع يقدّم على الظن بالحكم الظاهري.
قلنا : قد فرغنا عن إبطال هذا القول ـ كالقول بلزوم الأخذ بالظنّ في الحكم الظاهري ـ في محلّه ، فإنّ نظر العقل في دليل الانسداد الذي هو العمدة في الأدلّة هو الحكم بلزوم تفريغ الذمّة ، ولا فرق في ذلك بين الواقع وبين أبداله.
لا يقال : إنّ أقربيّة هذا الظنّ في نظر المقلّد أوّل الكلام ، وعلى تقديره فلا دليل على لزوم الأخذ بهذه الأقربيّة.
لأنّا نقول : إنّ أقربيّة هذه الظنون في نظر المجتهد هو المعيار ، فإنّ نظر المقلّد قد عرفت عدم انضباطه وعدم اعتباره ، ولا يمكن إلقاء عنانه في عنقه لئلاّ يتّبع كل ناعق وناهق. وأمّا لزوم الأخذ بهذه الأقربيّة ، فلأنّ دليل الانسداد لا يمكن أن يكون مفاده حجّيّة كلّ واحد من هذين الظنّين اللذين يقتضي اعتبار أحدهما عدم اعتبار الآخر.
فإمّا أن يقال : بأنّ كلّ واحد من هذين الظنّين خارج عن الدليل وهذا بعد كونه محالا ـ لأنّ الدليل العقلي غير قابل للتخصيص ـ مثبت للمطلوب ، وهو عدم اعتبار قول الميّت إذا صار مظنونا.
وإمّا أن يقال : بأنّ الأولى استعماله للظنّ في المسألة الأصولية لكونه بمنزلة المزيل للظنّ في المسألة الفرعيّة ، وهو أيضا مثبت للمطلوب.
__________________
(١) أي المحقّق القمي قدسسره ، راجع القوانين ٢ : ٢٦٩.