ولا ريب أنّ هذين الوجهين مختلفان ، فالكلام المسوق لبيان أحدهما يغاير سوق الآخر ، فإنّ الأوّل غير محتاج إلى جعل وحكم سوى الإخبار عمّا هو ثابت في الواقع. بخلاف الثاني ، فإنّه لا بدّ فيه من إنشاء حكم ظاهريّ في موارد تلك الأمارة. ولعلّ ذلك غير خفيّ على الفطن.
فإن أريد من التمسّك بالآية إثبات الوجه الأوّل فهو حسن ، فإنّ في الآية دلالة على تقرير ما عليه العقلاء في استكشاف مطالبهم من الأمارات المفيدة لها ، إذ لا يستفاد من الآية إلاّ مطلوبية الحذر عقيب الإنذار في الجملة. وأمّا وجوب البناء على الإنذار فهو مبنيّ على ما هو المناط فيه عندهم من حصول المنذر فيه أو ما هو يقوم مقامه عندهم كالظنّ المتاخم للعلم على وجه لا يعتنى باحتمال خلافه في وجه ؛ ولذا صحّ ذلك فيما يطلب فيه العلم ، فلا تكون الآية مخصّصة لما يدلّ على حرمة العمل بما وراء العلم ؛ ولذلك استشهد الإمام عليهالسلام بالآية على وجوب النفر ليحصل معرفة الإمام ، كما في رواية عبد الأعلى ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول العامّة : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة قال عليهالسلام : حقّ والله! قلت : فإنّ إماما هلك ورجل بخراسان لا يعلم من وصيّه لم يسعه ذلك؟ قال : لا يسعه ، إنّ الإمام إذا مات رفعت حجّة وصيّه على من هو معه في البلد وحقّ النفر على من ليس بحضرته ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ... ) الآية » (١) فإنّ من المعلوم : أنّ إمامة الإمام إنّما يطلب فيها العلم ولا يكفي فيها متابعة الغير من غير حصول العلم ، فلا دلالة في الآية إلاّ على لزوم التفقّه والإنذار من حيث إنّ الإنذار يوجب الحذر عند حصول العلم أو ما يقوم مقامه في العادة ، وهو ظاهر. لكن التقليد المطلوب إثبات جوازه للحيّ والميّت لا
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٧٨ ، الحديث ٢.