وهذه القوة بيد الله يؤتيها من يشاء من عباده ، بشرط ما سبق من صفاء سريرته وعلانيته ، وإخلاص عمله ونيته.
ويؤيده ما ورد في الخبر عن سيد البشر : ليس العلم بكثرة التعلم ، انما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد أن يهديه.
وفي خبر آخر : من أخلص لله أربعين صباحا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
وفي آخر : العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه وينطق به لسانهم.
وفي آخر : ما من عبد الا ولقلبه عينان ، وهما غيب يدرك بهما الغيب ، فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عيني قلبه ، فيرى ما هو غائب عن بصره.
وفي آخر : النور إذا دخل في القلب انشرح وانفسح ، قيل : يا رسول الله هل ذلك من علامة؟ قال : نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله.
ويظهر منها ومما شاكلها أن العلم للعالم انما يحصل من الله جل ذكره إذا تبتل اليه تبتيلا ، واتخذ بالذكر والفكر اليه سبيلا ، على قدر صفائه وقبوله وقوته واستعداده.
ولا يحصل الا بعد فراغ القلب وصفاء الباطن وتخليته عن الرذائل ، خاصة عن رذيلة الدنيا وحبها وزهراتها وزخارفها ، فإنها رأس كل رذيلة ، والمانع من كل حصول الاجتهادية وغيرها ، مع تقارب المدارك منها مما يتنازع فيه الخصمان لمصالح المعاش وغالب الأحكام إلزام.
فبالانشاء تخرج الفتوى لأنها اخبار ، وبتقارب المدارك في المسائل الاجتهادية يخرج ما يضعف مدركه جدا ، كالعول والتعصيب وقتل المسلم بالكافر ، فإنه لو حكم به حاكم وجب نقضه ، وبمصالح المعاش تخرج العبادات ، فإنه لا مدخل