وبالشرى أخرى ، نحو « إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ » (١) « أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ » (٢) لانه خير لشخص وشر لاخر ، فمن أنفقه في سبيل الرحمن وأمسكه عن سبيل الشيطان كان له خيرا ، ومن عكس كان له شرا.
واذ قد عرف هذا عرف أنه لو أبقى على اطلاقه ، لزم منه تفضيل القبيح على الحسن ، فانه يفيد مثلا أن اساءة شخص الى آخر مرتين أو مرات ثم امساكه عنه خير من احسانه اليه كذلك ، لصدق شر لا يدوم على الاول وخير لا يدوم على الثاني وله نظائر لا يخفى ، وهذا باطل قطعا ، فلا بد له من مورد ومحل يمكن تطبيقه عليه.
فنقول : الخير والشر باعتبار الدوام وعدمه على قسمين :
شر دائم لا يستعقب خيرا ، كما في الكافر الفقير المبتلى بالاسقام والافات مدة حياة الدنيا. وخير دائم لا يستعقب شرا كما في المؤمن الكامل الغني السالم من البليات مدة حياة الدنيا.
وشر لا يدوم ، كما في فقراء المؤمنين من أنواع الافات والبليات الدنيوية فهو خير من خير لا يدوم ، كما في أغنياء الكافرين من الصحة وأنواع النعمة ، فان ذلك الشر الموصوف باللادوام ، وان لم تكن من حيث ذاته خيرا من الخير الموصوف باللادوام ، الا أنه من حيث وصفه المستعقب للخير الدائم وهو مناط الحكم ، خير منه من حيث وصفه المستعقب للشر الدائم ، فشرور الدنيا للمؤمن خير من خيراتها للكافر. والاول ينتهي الى نعيم مقيم ، والثاني ينجر الى عذاب أليم.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٨٠.
(٢) سورة المؤمنون : ٥٦.