احتمال آخر : في تفسير علي بن ابراهيم في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله تعالى « إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً » (١) قال : الشر هو الفقر والفاقة « وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً » قال : الغنى والسعة (٢).
فيمكن أن يكون المراد فقرا لا يدوم خير من غنى لا يدوم ، لان الاول يرتفع بالثاني ، والثاني بالاول ، لانهما على طرفي النقيض ، كما صرح به في القاموس بقوله : الشر نقيض الخير. فغير ممكن ارتفاعهما ولا اجتماعهما ، والحيثية السابقة معتبرة هنا أيضا ، اذا الفقر بما هو فقر وان لم يكن خيرا من الغنى ، الا أنه باعتبار وصفه المؤدي الى الغنى خير منه باعتبار وصفه المؤدي الى الفقر.
احتمال آخر : يمكن أن يراد بالشر والخير هنا المعصية والطاعة ، وذلك أن عدم دوام الشر بهذا المعنى ، وانقطاعه عن فاعله مع قدرته عليه ، يدل على انصراف نفسه عنه وعدم ميله اليه وتركه الاسباب المؤدية اليه ، وهذا كمال مرغوب لانه في معنى التوبة والله يحب التوابين ، وهذا بعينه يجري في عدم دوام الخير ، لكنه نقص غير مرغوب.
احتمال آخر ، وهو أن يكون هذا ترغيبا في المداومة على فعل خير اوثر فعله ، وترهيبا عن تركه والمبالغة فيه ، بأن عدم دوامه يجعله مرجوحا حتى أن الشر خير منه.
يؤيده ما في آخر صحيحة زرارة عن الباقر عليهالسلام الواردة في التأكيد على المداومة على النوافل ، يستحب اذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه.
وبالجملة المداومة على الخيرات والاستمرار عليها لتصير ملكة وعادة أمر حسن ممدوح وتركه قبيح مذموم ، وقد مدح الله قوما بمداومتهم على فعل النوافل
__________________
(١) سورة المعارج : ٢٠.
(٢) تفسير القمى ٢ / ٣٨٦.