والحاصل أن كلا منهما له قوة من وجه ، فإذا تعارضا وجب الجمع بينهما ولو من وجه ، ولا يمكن ذلك الا مع العمل بالخاص ، إذ العمل بالعام يلغي الخاص ويبطله ، ولا شك في أن اعمال الدليلين خير من إلغاء أحدهما رأسا.
لا يقال : كل منهما لما كان قطعيا من وجه وظنيا من آخر ، فإذا تعارضا وجب التوقف لفقد الترجيح.
لأنا نقول : الترجيح في جانب العمل بالخاص ، فان فيه جمعا بينهما ، وأما العمل بالعام ففيه إبطال للخاص ، والجمع كما سبق أولى من الابطال.
لا يقال : غاية ما يقتضيه الدليل المذكور تساويهما في القوة والضعف ، والمتساويان فيهما لا يغير أحدهما الأخر ، فكيف صار الخاص يغير العام عن عمومه حتى جعله مثله خاصا؟ وهذا يقتضي كونه أقوى منه ، وهو خلاف المقدر.
لأنا نقول : لا كلام في أنهما متساويان فيهما ، ولكن نقول : ترك العمل بهما يوجب إلغاء الدليلين ، وكذا العمل بالعام يوجب إلغاء الخاص مع تساويهما فيهما ، فلا بد من العمل بالخاص ليكون ذلك جامعا بينهما.
فهذا وجه أعمالنا الخاص ، وذلك لا يتوقف على كونه أقوى من العام ولا يقتضيه.
وبالجملة ليس ايثارنا العمل بالخاص لكونه أقوى ، بل لكون العمل به جامعا بين الدليلين.
فما أفاده الشيخ البهائي قدسسره في حواشيه على زبدة الأصول ، بعد إيثاره القول بالوقف بقوله : وقد يقال هذا الدليل بعد تمامه يقتضي تساويهما ، وهو منظور القائل بالوقف.
فان المساوي لا يقدر على أضعاف مساويه ، ولا على تغييره على ما هو عليه ، وقد جعلتم الخاص فيما نحن فيه مغيرا للعام عن عمومه ، ومغيرا حاله عن حقيقته.