والحاصل أنكم بعد تقرير كون الواحد مساويا للكتاب في القوة والضعف جعلتموه مضعفا للكتاب ، ومغيرا حاله عن حقيقته ، مع بقائه على صرافته من غير تطرق ضعف إليه أصلا ، وهذا يقتضي كونه أقوى من الكتاب ، لأنه أضعفه وغيره من غير أن يعتريه شيء من الضعف على حال من الأحوال.
محل تأمل لأن تقديمنا الخبر الواحد المساوي للكتاب عليه ، لا يقتضي كونه أقوى منه ، بل يقتضي أن يكون لتقديمه عليه وجه مطلوب ، وقد عرفت وجهه ، فتأمل.
وأما ما أفاده قدسسره في حاشية أخرى بقوله ، وأما ما يقال : ان الوقف يستلزم إلغاء الدليلين.
فجوابه أن المتوقفين يوجبون اعمال العام فيما لا يعارضه فيه الخاص من الافراد وانما يتوقفون فيما وقعت فيه المعارضة.
مثلا المعارضة بين ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (١) وبين لا تقتلوا الذمي ، انما هي في بعض أفراد المشركين الذين تضمنت الآية قتلهم ، وتضمن الحديث عدم قتلهم.
فالمتوقف يحكم بقتل من عدا الذمي ، ويتوقف في قتله ، لتعارض الآية والحديث فيه إثباتا ونفيا ، فقد أعمل العام في بعض ما يشمله لعدم ما يعارضه ، وتوقف في اعماله في الكل لوجود المعارض ، فأين إلغاء الدليلين.
ففيه أيضا نظر ، إذ لا معنى لإلغاء الدليل العام إلا إبطال عمله على وجه العموم ، ورفعه عما يقتضيه من هذا الوجه ، وقد تحقق ذلك هنا.
لان مقتضى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) شمول القتل جميع أفرادهم ، بحيث لا يشذ منهم شاذ ، فإذا عمل في بعض ما يشمله ، فقد ألغى عن مقتضاه الذي هو شمول
__________________
(١) سورة التوبة : ٥.