وقد وقف على جميع شؤون الثورة ، وعرف أعضاءها ، والمتحمّسين لها ، وما يستجدّ فيها من شؤون ، وكان ينقل ذلك حرفيّاً إلى سيّده ابن مرجانة ، وبذلك فقد أحاط بجميع مجريات الأحداث ، ولم يخف عليه أي شيء منها .
وقدم ابن زياد على أخطر عملية كُتب له فيها النجاح لتنفيذ مخطّطاته ، فقد قام باعتقال هانئ بن عروة سيّد الكوفة ، والزعيم الأوحد لقبائل مذحج التي كانت تشكّل الأكثريّة الساحقة من سكّان الكوفة ، وقد أشاع بذلك موجة من الخوف والارهاب عند جميع الكوفيّين ، كما وجّه ضربة قاسية ومدمّرة للثورة ، فقد استولى الرعب والفزع على أنصار مسلم ، ومنوا بهزيمة نفسيّة ساحقة .
وعلى أي حال ، فإنّ هانئ حينما مثل أمام الطاغية استقبله بشراسة وعنف ، وطلب منه بالفور تسليم ضيفه الكبير مسلم ، فأنكر هانئ أن يكون عنده ، لأنّه أحاط أمره بكثير من السريّة والكتمان ، فأمر ابن زياد بإحضار الجاسوس معقل .
فلمّا حضر سقط ما في يد هانئ ، وأطرق برأسه إلى الأرض ، ولكن سرعان ما سيطرت شجاعته على الموقف ، فانتفض كالأسد ساخراً من ابن زياد ، ومتمرّداً على سلطته ، فامتنع أشدّ ما يكون الامتناع من تسليم ضيفه إليه ، لأنّه بذلك يسجّل عاراً وخزياً عليه ، فثار الطاغية في وجهه ، وثمّ أمر غلامه مهران أن يدنيه منه ، فأدناه ، فاستعرض وجهه المكرّم بالقضيب ، وضربه ضرباً عنيفاً حتّى كسر أنفه ، ونثر لحم خدّيه وجنبيه على لحيته ، حتّى تحطّم القضيب ، وسالت الدماء على ثيابه ، ثمّ أمر باعتقاله في أحد بيوت القصر .
ولمّا شاع اعتقال
هانئ اندفعت قبائل مذحج نحو قصر الإمارة ، وقد قاد جموعها