فأجابها الإمام بصوت خافت حزين النبرات : نَظَرْتُ إِلىٰ هٰذيْنِ الْكَفَّيْنِ ، وَتَذَكَّرْتُ ما يَجْري عَلَيْهِما .
وسارعت اُمّ البنين بلهفة قائلة : ماذا يجري عليهما ؟
فأجابها الإمام بنبرات مليئة بالأسى والحزن قائلاً : إِنَّهُما يُقْطَعانِ مِنَ الزَّنْدِ .
وكانت هذه الكلمات كالصاعقة على اُمّ البنين ، فقد ذاب قلبها ، وسارعت وهي مذهولة قائلة : لماذا يقطعان ؟
وأخبرها الإمام عليهالسلام بأنّهما إنّما يقطعان في نصرة الإسلام ، والذبّ عن أخيه حامي شريعة الله ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأجهشت اُمّ البنين بالبكاء ، وشاركنها مَن كان معها من النساء لوعتها وحزنها (١) .
وخلدت اُمّ البنين إلى الصبر ، وحمدت الله تعالى في أن يكون ولدها فداءً لسبط رسول الله صلىاللهعليهوآله وريحانته .
نشأ أبو الفضل العبّاس عليهالسلام نشأة صالحة كريمة ، قلّما يظفر بها إنسان ، فقد نشأ في ظلال أبيه رائد العدالة الاجتماعيّة في الأرض ، فغذّاه بعلومه وتقواه ، وأشاع في نفسه النزعات الشريفة ، والعادات الطيّبة ليكون مثالاً عنه ، واُنموذجاً لمثله ، كما غرست اُمّه السيّدة فاطمة في نفسه جميع صفات الفضيلة والكمال ، وغذّته بحبّ الخالق العظيم ، فجعلته في أيّام طفولته يتطلّع إلى مرضاته وطاعته ، وظلّ ذلك ملازماً له طوال حياته .
ولازم أبو الفضل أخويه السبطين ريحانتي رسول الله صلىاللهعليهوآله : الحسن والحسين عليهماالسلام سيّدي شباب أهل الجنّة ، فكان يتلقّى منهما قواعد الفضيلة ، واُسس الآداب
__________________________
(١) قمر بني هاشم ١ : ١٩ .