دلّ هذا الخطاب الرائع على وعي نافع ، وإدراكه العميق للأحداث ، ودراسته لأبعادها ، فقد أعرب أنّ الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله بما يملك من طاقات روحيّة لم يستطع أن يجمع الناس على محبّته ، ويخضعهم إلى الإيمان برسالته ، فقد كان هناك طائفة من المنافقين انتشروا في صفوف المسلمين ، وهم يضمرون الكفر في دخائل نفوسهم ، ويظهرون الإسلام على ألسنتهم ، وكانوا يبغون للنبيّ صلىاللهعليهوآله الغوائل ، ويكيدون له في غلس الليل وفي وضح النهار ، فقد ابتلي بمثل ما ابتلي به النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فقد آمن به قوم وحاربه قوم آخرون ، وحال الإمام الحسين عليهالسلام كحال أبيه جدّه صلوات الله عليهم ، فقد آمنت به قلّة مؤمنة من أصحابه ، وزحفت لحربه الجموع الهائلة من الذين نزع الله الإيمان من قلوبهم .
وعلى أي حال فقد تكلّم أكثر أصحاب الإمام بمثل كلام نافع ، وهم يعلنون له الإخلاص والتفاني ، وقد شكرهم الإمام ، وأثنى عليهم ، ودعا لهم بالمغفرة والرضوان .
وتمّت أحلام ابن مرجانة ، وتحقّقت آماله حينما استولت طليعة جيوشه على ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأخذ يطيل النظر فيمن ينتدبه لحربه ، ويرشّحه لقيادة قوّاته المسلّحة ، وتصفّح الأرجاس من أذنابه وعملائه ، فلم يرَ رجساً مثل عمر بن سعد يقدم على اقتراف هذه الجريمة ، فقد درس نفسيّته ، ووقف على ميوله واتّجاهاته التي منها الخنوع والمروق من الدين ، وعدم المبالاة بارتكاب الآثام والجرائم ، والتهالك على المادّة ، وغير ذلك من نزعاته الشريرة .
وعرض ابن مرجانة سليل
الأدعياء على ابن سعد القيام بحرب سبط رسول الله صلىاللهعليهوآله فامتنع عن إجابته ، فهدّده بعزله عن
ولاية الريّ ، فلم يطق صبراً عنها ، فقد سال لها لعابه ، فأجابه إلى ذلك وزحف إلى كربلاء ومعه أربعة آلاف فارس ،