واستهانة بالموت ، فثبتوا كالجبال الشامخات ، ولم يتراجعوا خطوة واحدة ، وقد قاتل معهم الحرّ بن يزيد الرياحي راجلاً ، واستمرّ القتال كأعنف وأشدّ ما يكون ضراوة ، وقد وصفه المؤرّخون بأنّه أشدّ قتال حدث في التاريخ ، وقد استمرّ حتّى انتصف النهار (١) .
وانتصف النهار وحان ميقات صلاة الظهر ، فوقف المؤمن المجاهد أبو ثمامة الصائدي ، فجعل يقلّب وجهه في السماء كأنّه ينتظر أعزّ شيء عنده ، وهي أداء صلاة الظهر ، فلمّا رأى الشمس قد زالت التفت إلى الإمام قائلاً : نفسي لنفسك الفداء ، أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، والله لا تقتل حتّى اُقتل دونك ، واُحبّ أن ألقى ربّي ، وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها .
لقد كان الموت منه كقاب قوسين أو أدنى ، وهو لم يغفل عن ذكر ربّه ، ولا عن أداء فرائضه ، وجميع أصحاب الإمام عليهالسلام كانوا على هذا السمت إيماناً بالله ، وإخلاصاً في أداء فرائضه .
ورفع الإمام رأسه ، فجعل يتأمّل في الوقت فرأى أن قد حلّ وقت أداء الفريضة ، فقال له : ذَكَرْتَ الصَّلَاةَ ، جَعَلَكَ اللهُ مِنَ المُصَلِّينَ الذَّاكِرِينَ . نَعَمْ هَذَا أَوَّلُ وَقْتِها .
وأمر الإمام عليهالسلام أصحابه أن يطلبوا من معسكر ابن زياد أن يكفّوا عنهم القتال ليصلّوا لربّهم ، فسألوهم ذلك ، فانبرى الرجس الخبيث الحصين ابن نمير قائلاً : إنّها لا تُقبل .
فقال له حبيب بن مظاهر بسخرية : زعمت أنّها لا تقبل الصلاة من آل رسول الله صلىاللهعليهوآله
__________________________
(١) أنساب الأشراف : ٣ : ٤٠١ و ٤٠٢ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٣١ و ٣٣٢ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٩١ .