وَإِنْ كانَتِ الأَرزَاقُ قِسْماً مُقَدَّراً |
|
فَقِلَّةُ حِرصِ المَرءِ فِي الرِّزْقِ أَجْمَلُ |
وَإِنْ كانَتِ الأَموالُ لِلتَّركِ جَمْعُها |
|
فَما بالُ مَترُوكٍ بِهِ المَرءُ يَبخَلُ (١) |
ودلّ هذا الشعر على زهده في الدنيا ، ورغبته الملحّة في لقاء الله تعالى ، وأنّه مصمّم أشدّ ما يكون التصميم على الجهاد والشهادة في سبيل الله .
إنّ التقاء الإمام مع الفرزدق كشف عن خنوع الناس ، وعدم اندفاعهم لنصرة الحقّ ، فالفرزدق الذي كان يملك وعياً اجتماعيّاً ، ووعياً ثقافيّاً متميّزاً رأى ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو ماضٍ في طريقه إلى الشهادة ، قد تظافرت قوى الباطل على حربه ، فلم يندفع إلى نصرته والالتحاق بموكبه ، واختار الحياة على الشهادة ، فإذا كان هذا حال الفرزدق فكيف بغيره من جهّال الناس وسوادهم .
وسارت قافلة أبي الأحرار تطوي البيداء لا تلوي على شيء حتّى انتهت إلى ( زرود ) (٢) ، وإذا برجل قد أقبل من جهة الكوفة ، فلمّا رأى الإمام الحسين عليهالسلام عدل عن الطريق وقد وقف الإمام يريد مسألته ، فلمّا رآه قد مال عنه واصل سيره ، وكان مع الإمام عبد الله بن سليمان ، والمنذر بن المشمعل الأسديّان ، فسارعا نحو الرجل حينما عرفا رغبة الإمام في سؤاله ، فأدركاه وسألاه عن خبر الكوفة ، فقال لهما : إنّه لم يخرج حتّى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ، ورآهما يجرّان بأرجلهما في الأسواق ، فودّعاه وأقبلا مسرعين حتّى التحقا بالإمام ، فلمّا نزل
__________________________
(١) الفتوح : ٥ : ٧٢ . مقتل الحسين عليهالسلام / الخوارزمي :١ : ٢٢٣ . وسيلة المآل : ١٨٨ . الصراط السوي في مناقب آل النبيّ : ٨٦ .
(٢) زَرُودُ : لعلها سميت بذلك لابتلاعها المياه التي تمطرها السحاب ؛ لأنّها رمال بين الثعلبية والخُزَيمية بطريق الحاج من الكوفة . معجم البلدان : ٣ : ١٥٦ .