وألمّت هذه الكلمات بأبرز ما قام به أبو الفضل من التضحيات تجاه أخيه أبي الأحرار الإمام الحسين عليهالسلام ، فقد أبدى في سبيله من ضروب الإيثار وصنوف التضحية ما يفوق حدّ الوصف ، وما كان به مضرب المثل على امتداد التاريخ ، فقد قطعت يداه الكريمتان يوم الطفّ في سبيله ، وظلّ يقاوم عنه حتّى هوى إلى الأرض صريعاً ، وإنّ لهذه التضحيات الهائلة عند الله منزلة كريمة ، فقد منحه من الثواب العظيم ، والأجر الجزيل ما يغبطه عليه جميع شهداء الحقّ والفضيلة في دنيا الإسلام وغيره .
أمّا الإمام الصادق عليهالسلام فهو العقل المبدع والمفكّر في الإسلام ، فقد كان هذا العملاق العظيم يشيد دوماً بعمّه العبّاس ، ويثني ثناءً عاطراً ونديّاً على مواقفه البطوليّة يوم الطفّ ، وكان ممّا قاله في حقّه :
« كانَ عَمِّيَ الْعَبّاسُ بْنُ عَلِيٍّ عليهالسلام نافِذَ الْبَصيرَةِ ، صُلْبَ الْإِيمانِ ، جاهَدَ مَعَ أَخيهِ الْحُسَيْنِ ، وَأَبْلىٰ بَلاءً حَسَناً ، وَمَضىٰ شَهيداً » (١) .
وتحدّث الإمام الصادق عليهالسلام عن أنبل الصفات الماثلة عند عمّه العبّاس ، والتي كانت موضع إعجابه وهي :
أمّا نفاذ البصيرة ، فإنّها منبعثة من سداد الرأي ، وأصالة الفكر ، ولا يتّصف بها إلّا من صفت ذاته ، وخلصت سريرته ، ولم يكن لدواعي الهوى والغرور أي سلطان عليه ، وكانت هذه الصفة الكريمة من أبرز صفات أبي الفضل ، فقد كان من نفاذ
__________________________
(١) ذخيرة الدارين : ١٢٣ . معالي السبطين : ١ : ٤٣٤ .