يسلّط عليهم مَن يسقيهم كأساً مصبّرة ، ويجرّعهم الغصص ، وينزل بهم العذاب الأليم .
وقد تحقّق ذلك فلم يمض قليل من الوقت بعد اقترافهم لقتل الإمام حتّى ثار عليهم البطل العظيم ، والثائر المجاهد ، ناصر الإسلام ، الزعيم الكبير ، المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فقد ملأ قلوبهم رعباً وفزعاً ، ونكّل بهم تنكيلاً فظيعاً ، وأخذت شرطته تلاحقهم في كلّ مكان ، فمن ظفرت به قتلته أشرّ قتلة ، ولم يفلت منهم إلّا القليل .
وقد وجم جيش ابن سعد بعد هذا الخطاب التاريخي الخالد ، وودّ الكثيرون منهم أن تسيخ بهم الأرض .
واستيقظ ضمير الحرّ ، وثابت نفسه إلى الحقّ بعدما سمع خطاب الإمام ، وجعل يتأمّل ويفكّر في تلك اللحظات الحاسمة من حياته ، فهل يلتحق بالحسين ، ويحفظ بذلك آخرته ، وينقذ نفسه من عذاب الله وسخطه ، أو أنّه يبقى على منصبه كقائد فرقة في الجيش الأموي ، وينعم بصلات ابن مرجانة ؟
واختار الحرّ نداء ضميره الحيّ ، وتغلّب على هواه ، فصمّم على الالتحاق بالإمام الحسين عليهالسلام ، وقبل أن يتوجّه إليه أسرع نحو ابن سعد القائد العامّ للقوّات المسلّحة ، فقال له : أمقاتل أنت هذا الرجل ؟
ولم يلتفت ابن سعد إلى انقلاب الحرّ ، فقد أسرع قائلاً بلا تردّد : إي والله ، قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس وتطيح الأيدي .
لقد أعلن ذلك أمام قادة الفرق ليظهر إخلاصه لابن مرجانة ، فقال له الحرّ : أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرضها عليكم رضاً ؟