وانبرى سبط رسول الله صلىاللهعليهوآله مرّة اُخرى إلى إسداء النصحية إلى الجيش الأموي مخافة أن يدّعي أحد منهم أنّه غير عارف بالأمر ، فانطلق عليهالسلام نحوهم ، وقد نشر كتاب الله العظيم على رأسه ، واعتمّ بعمامة جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وتقلّد لامة حربه ، وكان على هيبة تحكي هيبة الأنبياء والأوصياء ، فقد علت أسارير النور على وجهه الكريم فقال عليهالسلام :
تَبَّاً لَكُمْ أَيَّتُها الْجَماعَةُ وَتَرَحاً ، أَحِينَ إِسْتَصْرَختُمُونا وَالِهينَ فَأَصْرَخْناكُمْ مُوجِفِينَ (١) ، سَلَلْتُمْ عَلَيْنا سَيْفاً فِي أَيْمانِكُمْ ، وَحَشَشْتُم (٢) عَلَيْنا ناراً اقْتَدَحْناها عَلىٰ عَدُوِّنا وَعَدُوِّكُمْ فَأصْبَحْتُمْ إِلْباً (٣) لِأَعْدائِكُمْ عَلىٰ أَوْلِيائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ ، وَلَا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ ؟! فَهَلَّا لَكُمُ الْوَيْلاتُ تَرَكْتُمونا وَالسَّيْفُ مَشِيمٌ (٤) وَالْجَأْشُ طَامِنٌ ، وَالرَّأْيُ لَمّا يُسْتَحْصَفُ ، وَلَكِنَّكُمْ أَسْرَعْتُمْ إِلَيْها كَطَيْرَةِ الدَّبا (٥) ، وَتَدَاعَيْتُمْ عَلَيْها كَتَهافُتِ الْفَراشِ (٦) ثُمَّ نَقَضْتُمُوها سَفَهاً وَضِلَّةً ، فَبُعْداً وسُحْقاً لَكُمْ يا عَبِيْدَ الْأُمَّةِ ، وَشُذّاذَ الْأَحْزابِ ، وَنَبَذَةَ الْكِتابِ ، وَمُحَرِّفِي الْكَلِمِ ، وَعُصْبَةَ الْآثامِ ، وَنَفْثَةَ الشَّيْطانِ ، وَمُطْفِئِي
__________________________
(١) موجفين : أي مسرعين في السير إليكم . لسان العرب : ١٥ : ٢٢٣ ـ وجف .
(٢) حششتم : جمعتم الحطب للنار . لسان العرب ٣ : ١٨٨ ـ حشش .
(٣) إلباً : أي مجتمعين . لسان العرب : ١ : ١٧٧ ـ ألب .
(٤) السيف مشيم : مغمد . لسان العرب : ٧ : ٢٦٢ ـ شيم .
(٥) الدِّبا : ـ بفتح الدال وتخفيف الباء ـ : الجراد قبل أن يطير . لسان العرب : ٤ : ٢٨٨ ـ دبا .
(٦) الفراش ـ بالفتح وتخفيف الراء ـ : جمع فراشة ، وهي صغار البقّ تتهافت في النار ؛ لضعف بصرها . لسان العرب : ١٠ : ٢٣٧ ـ فرش .
يقول الغزالي : ولعلّك تظن أنّ هذا لنقصان فهمها وجهلها . إنّ جهل الإنسان أعظم من جهلها لانكبابه على الشهوات والمعاصي إلى أن يغمس في النار ويهلك هلاكاً مؤبّداً .