والتفت العتُلّ الزنيم ابن مرجانة إلى بكير بن حمران الذي ضربه مسلم ، فقال له : خذ مسلماً ، واصعد به إلى أعلى القصر ، واضرب عنقه بيدك ليكون ذلك أشفى لصدرك ، واستقبل مسلم الموت بثغر باسم ، فقد بقي رابط الجأش ، قويّ العزيمة ، مطمئنّ النفس ، فصعد به إلى أعلى القصر ، وهو يسبّح الله ويقدّسه ، ويدعو على السفكة المجرمين وأشرف به الجلّاد على موضع الحذّائين فضرب عنقه ، ورمى بجسده ورأسه إلى الأرض ، وهكذا انتهت حياة هذا البطل العظيم الذي استشهد دفاعاً عن حقوق المظلومين والمضطهدين ، ودفاعاً عن كرامة الإنسان وقضاياه المصيريّة ، وهو أوّل شهيد من الاُسره النبويّة يقتل علناً أمام المسلمين ، ولم يهبّوا لانقاذه والدفاع عنه .
وأمر سليل الغدر والخيانة بعد قتل مسلم ، بإعدام الزعيم الكبير ، والعضو البارز في الثورة هانئ بن عروة ، فاُخرج من السجن وهو يصيح أمام اُسرته التي هي كالحشرات قائلاً : وا مذحجاه . . وا عشيرتاه .
ولو كان عند اُسرته صبابة من الغيرة والحميّة لهبّت لإنقاذ زعيمها العظيم الذي كان لها كالأب ، والذي قدّم لها جميع الخدمات ، ولكنّها كبقيّة قبائل الكوفة قد طلّقت المعروف ثلاثاً ، ولا عهد لها بالشرف والكرامة .
وجيء بهانئ إلى ساحة يباع فيها الأغنام ، فنفّذ الجلّادون فيه حكم الإعدام ، فهوى إلى الأرض يتخبّط بدم الشهادة . . لقد استشهد هانئ دون مبادئه وعقيدته ، وقد انطوت بشهادته أروع صفحة من صفحات البطولة والجهاد في الإسلام .