من محن الدنيا ، ولا فاجعة من فواجع الدهر إلّا جرت على ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلا يوم مثل ذلك اليوم الخالد في دنيا الأحزان .
وخرج أبو الأحرار من خبائه فرأى البيداء قد ملئت خيلاً ورجالاً ، وقد شهر اُولئك البغاة اللئام سيوفهم لإراقة دمه ، ودماء الصفوة البررة من أهل بيته وأصحابه لينالوا الأجر الزهيد من الارهابي المجرم ابن مرجانة ، ودعا الإمام بمصحف فنشره على رأسه ، ورفع يديه بالدعاء إلى الله قائلاً :
اللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ ، وَرَجائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ . كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضعُفُ فِيْهِ الفُؤادُ ، وَتَقِلُّ فِيْهِ الْحِيلَةُ ، وَيَخْذُلُ فِيْهِ الصَّدِيقُ ، وَيَشْمَتُ فِيْهِ العَدُوُّ ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ رَغْبَةً مِنِّي إِلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَصاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَمُنْتَهَىٰ كُلِّ رَغْبَةٍ (١) .
لقد أناب الإمام إلى الله تعالى ، وأخلص له ، فهو وليّه ، والملجأ الذي يلجأ إليه في كلّ نائبة نزلت به .
ودعا الإمام الحسين عليهالسلام براحلته فركبها ، واتّجه نحو معسكر ابن سعد ، وهو بتلك الهيبة التي تحكي هيبة جدّه الرسول صلىاللهعليهوآله ، فخطب فيهم خطابه التاريخي الذي هو من أبلغ وأروع ما أُثر في الكلام العربي ، وقد نادى بصوت عالٍ يسمعه جلّهم :
« أَيُّها النّاسُ ، اسْمَعُوا قَوْلِي وَلَا تَعْجَلُوا حَتّىٰ أَعِظَكُمْ بِما يَحِقُّ لَكُمْ عَلَيَّ ، وَحَتّىٰ
__________________________
(١) الإرشاد : ٢: ٩٦ . تاريخ الاُمم والملوك : ٤ : ٣٢١ . تاريخ مدينة دمشق : ١٤ : ٢١٧ . الكامل في التاريخ : ٣ : ٢٨٦ و ٢٨٧ . البداية والنهاية : ٨ : ١٧١ .