وقد صعدت أرواحهم الطاهرة إلى الفردوس الأعلى حيث مقرّ النبيّين والصدّيقين والصالحين وحسن اُولئك رفيقاً .
وسارعت الفتية من أبناء الإمام الزكيّ أبي محمّد عليهالسلام إلى نصرة عمّهم والذبّ عنه ، وقلوبهم تنزف دماً على ما حلّ به من عظيم الكوارث والخطوب ، وكان من بينهم القاسم ، وقد وصفه المؤرّخون بأنّه كالقمر في جمال طلعته وبهائه ، وقد غذّاه عمّه بمواهبه ، وأفرغ عليه أشعّة من روحه حتّى صار من أمثلة الكمال والآداب .
وكان القاسم وبقيّة إخوانه يتطلّعون إلى محنة عمّهم ، ويودّون أن يردّوا عنه عوادي الأعداء بدمائهم وأرواحهم ، وكان القاسم يقول : « لا يقتل عمّي وأنا أحمل السيف » (١) .
وانبرى القاسم يطلب الإذن من عمّه ليجاهد بين يديه ، فاعتنقه الإمام وعيناه تفيضان دموعاً ، وأبى أن يأذن له ، إلّا أنّ الفتى ألحّ عليه ، وأخذ يقبّل يديه ورجليه ليسمح له بالجهاد ، فأذن له .
وانطلق رائد الفتوّة الإسلاميّة إلى ساحة الحرب ، ولم يضف على جسده الشريف لامة حرب ، محتقراً لاُولئك الوحوش ، وقد التحم معهم يحصد رؤوسهم ، ويجندل أبطالهم ، كأنّ المنايا كانت طوع إرادته ، وبينما هو يقاتل إذ انقطع شسع نعله الذي هو أشرف من ذلك الجيش ، وأنف سليل النبوّة والإمامة أن تكون إحدى رجليه بلا نعل ، فوقف يشدّه متحدّياً لهم ، واغتنم هذه الفرصة كلب من كلاب ذلك الجيش ، وهو عمرو بن سعد الأزدي ، فقال : والله لأشدّنَّ عليه .
فأنكر عليه ذلك حميد بن مسلم ، وقال له : سبحان الله ! وما تريد بذلك ؟ يكفيك
__________________________
(١) البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان : ٢٥ .